كونفدرالية الأراضي المُقدّسة
في سياق ترتيبات واستحقاقات اتفاقيتي وادي عربة وأوسلو، طَرَح شمعون بيريز (مهندس كل ما يجري في المنطقة) مشروعه عن الشرق الأوسط الجديد، وقد استكمله لاحقاً باقتراح آخر باسم (كونفدرالية الأراضي المُقدّسة).
ويُركِّز بيريز على أن ما يُسمّى (السلام السياسي) يأتي لاحقاً للسلام الاقتصادي، أي تحويل الإقليم كله إلى شبكات وبنى تحتية ودمجها في (المشروع الصهيوني) وتحميل التكاليف والنفقات إلى صناديق خليجية ودولية من أجل السلام و(دَحر الإرهاب).
ومَن ينظر إلى تفاصيل كتاب بيريز (الشرق الأوسط) يلحظ منذ الوهلة الأولى أنه صورة عن (إسرائيل الكبرى) وعن مشروع أو ملحق آخر هوالتقاسم الوظيفي (الأرض بين البحر والصحراء لإسرائيل يعيش عليها سكان عرب).
ويقترح في دراسة أخرى لإدارة (المواطنين اليهود) في الأرض المُحتلة (مع السكان العرب) إقامة كونفدرالية من مراحل عدّة:
الأولى: تأمين المناخات الملائمة (من نمط ربيع الفوضى).
الثانية: إعلان كونفدرالية بين الأردن والضفّة الغربية (كونفدرالية أشلاء وسكّان من الضفّتين).
الثالثة: إعلان كونفدرالية الأردن الكبير التي تضم أشلاء من العراق وسوريا وكانتوناً أو برلماناً درزياً يضم ممثلين عن دروز سوريا والأردن وفلسطين وبحيث تضع إسرائيل يدها بموجب هذه الكونفدرالية على درعا وحوض اليرموك المائي والجولان بصورة نهائية وتؤمّن أو تبعث الحياة في خط نفط كركوك - حيفا.
الرابعة: إعلان كونفدرالية الأراضي المُقدّسة بعد تمزيق الشرق العربي إلى هويّات طائفية (مسلمون، مسيحيون ، دروز) يُشكّلون مع اليهود اتحاد أديان مُقدّس وتكون القدس(أورشليم) عاصمته المركزية. وبالعودة إلى المراحل الأولى السابقة الذكر من الكونفدرالية ينطلق المشروع الإسرائيلي من المُعطيات التالية:
1. إن الحصة المُتاحة للفلسطينيين كإطار أو كيان (مستقل) هي قطاع غزّة أولاً وأخيراً، أما الضفة الغربية فهي موضوع تقاسم وظيفي مع الأردن وفي الإطار المُشار إليه (سكان عرب على أرض إسرائيل).
2. لم يعد المقصود بالضفة الشرقية (الأردن) أو الغربية واقع أو شبه واقع السلطة السياسية (المركزية)، بل أشلاء من الكانتونات والجزر الإدارية و الأقتصادية المُنعزلة عن بعضها سواء داخل (الأردن) أو داخل الضفة، وبالتالي ليس المقصود بالكونفدرالية كونفدرالية دولة أردنية مع سلطة فلسطينية ولا كونفدرالية شعبين، بل كونفدرالية أشلاء هنا وهناك، وبالتالي كذلك ليس المطروح التوطين السياسي للفلسطينيين وإحلالهم سياسياً محل السلطة الأردنية والأردنيين، بل كونفدرالية مجاميع (سكّانية) من الجهتين لا ناظمَ لها.
3. بالإضافة إلى إحياء مشروع التقاسم الوظيفي المذكور في طبعته الجديدة، فالأخطر هنا تحوّل الأردن من دولة فاصلة (بافر ستيت) على (نحو عمودي) إلى دولة واصلة على نحو أفقي (عمّان - رام الله مثلاً ، الكرك مع الخليل، إربد مع شمال الضفّة وهكذا).
4. وفي ما يخصّ القيادة السياسية المطلوبة في الأردن، كما الضفّة الغربية، لم تعد المسألة مسألة درجة موافقتها على وادي عربة وأوسلو وعلى الاستراتيجيات الأمريكية المزعومة ضدّ الإرهاب (الذي ترعاه أمريكا أصلاً)، بل مسألة أخرى من صميم الأمن الإسرائيلي وهي أن تكون هذه القيادات بلا أنياب وبلا أيّ وزن.
5. ولهذه الغاية لا بدّ من إجراء تعديلات دستورية تكرّس هذه الحال باسم الديمقراطية والدولة المدنية والمواطنة.
6. ويجب أن يتم كل ذلك على نحو كوميدي مستذكرين عبارة هيغل - ماركس الشهيرة (يُعيد التاريخ نفسه على شكل كوميدي) وعندما يفكّر أحد ما بتحدّي هذه الفكرة ، عليه أن ينتظر نهاية تراجيدية، وهو ما حدث مع ياسر عرفات كما حدث من قبل مع الملك طلال الأول في الأردن, عندما حاول توظيف الدستورالمتقدّم المصمّم لوحدة الضفّتين بعد نكبة فلسطين على غير الهدف الحقيقي في رأس التاج البريطاني آنذاك.
7. الأسوأ في كل ما سبق أن كل مناخات الوحدة السابقة بين الضفّتين لم تعد قائمة، فالبرجوازية المدنية الناشئة تحوّلت إلى مافيات والكتل الأجتماعية عادت سيرتها الأولى (مجاميع ما قبل رأسمالية) ولم يعد الرعيل الأول من رجال الدستور والوحدة والقانون والهويّة القومية، لم يعد قائماً وحلّ محلّه رعيل السماسرة الصغار.