طعنة في الظهر.. هل هي مقدمة حرب عالمية رابعة؟
تشبيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حادثة إسقاط السوخوي بـ"الطعنة في الظهر" إنما يوحي بأن الأتراك يبتغون إبعاد الروس عن الساحة السورية كحدٍ أدنى، وعن مسرح حوض البحر الأبيضِ المتوسط كهدف إستراتيجيٍّ من خلال تحكّمهم بمضيفي البوسفور والدردنيل، أي المعبر إلى المياه الدافئة التي تطمح روسيا بالوصول إليها.
من لقاء سابق بين بوتين وأردوغان
روسيا كانت دائماً تدفع ثمناً باهضاً مقابل طموحها الوصول إلى
المياه الدافئة.. الدولة العثمانية كانت العقبة الكبرى أمام هذا الطموح، سواء
أكان بنسختها القديمة أيام السلاطين، أو بالنسخة الجديدة التي يحاول إحياءها
السلطان الجديد أردوغان "الأول".
سوريا المثخنة بجراحها، بما في ذلك بسبب ما تعتبره دمشق تآمراً
تركياً عليها، منحت روسيا فرصةً متجدّدةً بعد إنكفائها إثر زوال الاتحاد السوفياتي
لتحقيق طموحها التاريخي. لكن الأتراك أرادوها أن تدفع الثمن الباهظ من جديد.
إسقاط السوخوي لا يبدو حادثاً عرضياً، لا سيما أن موسكو وأنقرة
إتفقتا عبر مؤسستيهما العسكريتين على تجنّب العرضيات في الأجواء السورية.
تشبيه الرئيس الروسي للحادث بالطعنةِ في الظهر، أي الغدر، يوحي
بأن الأتراك يبتغون إبعاد الروس عن الساحة السورية كحدٍ أدنى وعن مسرحِ حوض البحر
الأبيضِ المتوسط كهدف إستراتيجيٍّ من خلال تحكّمهم بمضيفي البوسفور والدردنيل، أي
المعبر إلى المياه الدافئة.
البعضُ يذهبُ إلى الاعتقاد أن رجب طيب أردوغان ورفاقه لا
يلعبون لعبتهم، بل ينفّذون إرادة واشنطن.
لا يبدو أن هذا الاعتقادَ يستندُ إلى دعائم قوية، صحيحٌ أن
الأميركيين يجيدون التعامل مع "الاخوان المسلمين"، لكن الجماعة بنسختها
التركية المتمثلة بحزب العدالة والتنمية لها أولوياتها، وعلى رأس هذه الأولويات
إحياء أمجاد الأمبراطورية العثمانية التي كانت في صراع دائم مع الأمبراطورية
الروسية. أولوية قد يراها البعض ضرباً من الخيال، لكن هل كان أحدٌ يتوقع أن يأخذ
تمددُ "داعش" بخلافته الموعودة كل هذه الأبعاد؟
أنقرة تتصورُ أن عضويتها في حلف شمال الأطلسي تجنّبها المواجهة
العسكرية مع موسكو، لأن الصِدام العسكري معها يعني صِداماً مباشراً مع الناتو وهذا
يعني إشعال فتيل الحرب العالمية الرابعة (يصطلح على أن الحرب العالمية الثالثة
إندلعت عندما غزا الأميركيون وحلفاؤهم العراق وان هذه الحرب ما زالت متواصلة).
فلاديمير بوتين عندما يقول إن الذين أسقطوا الطائرة هم أعوان
أو شركاء الإرهابيين فإنه يعني ما يقول. الروس يعون أن الغرب كان دائماً يحاول
إستمالة الإسلام السياسي الأصولي الى جانبه في المواجهة معهم. حدث ذلك في الحروب
الروسية التركية بتشجيع بريطاني إبان الإمبراطوريتين العثمانية والقيصرية، حدث ذلك
بعد الثورة البلشفية عندما دعمت الدول الاستعمارية إنتفاضة "البهوات" في
آسيا الوسطى ضد الدولة السوفياتية "المُلحدة"، حدث ذلك في أفغانستان من
خلال دعم "المجاهدين" الذين شكلوا في ما بعد نواة القاعدة، حدث ذلك في
حرب الشيشان من خلال إتهام روسيا بانتهاك حقوق الإنسان لدى محاربتها الإنفصاليين
والإرهابيين ويحدث اليوم في الجولة الجديدة من الحرب على الإرهاب.
روسيا لا تُحسدُ على الظروف الدولية التي تحيط بها: عقوبات
غربية، سباق تسلح، تدمير لبعض حلفائها ومضايقة لآخرين. لكن ذلك لا يعني أنها سترضى
بالصفعة التركية ولن ترد عليها. الرد الروسي سيأتي في الوقت المناسب والشكل
المناسب. بوتين ليس ذلك الرجل الذي يقبل الإهانات. سيد الكرملين عوّد الجميع على
رد الصاع صاعين: حدث ذلك في الشيشان وجورجيا وأوكرانيا ويحدث اليوم في سوريا.
محللون روس يتوقعون أن يتضمن الرد الروسي خطوات ذات طابع
اقتصادي مالي في الدرجة الاولى كوقف حركة السياحة الى تركيا التي تقدّر بأربعة
ملايين ونصف المليون سائح سنوياً وتعليق تنفيذ مشاريع ضخمة مثل تشييد محطة
"أكويو" الكهرذرية وخط أنابيب "السيل التركي" ومصنع تجميع
المروحيات العسكرية الخ. خبراء عسكريون لا يستبعدون أيضاً الانتقام لإسقاط الطائرة
من خلال إسقاط طائرة تركية في حال اقترابها من الحدود مع سوريا. المرجّح أن
الطيران الروسي سيحوّل الى جحيم المناطق التي يسيطر عليها المسلحون والتي أسقطت
فوقها الطائرة وليس هذه المناطق فقط. ولن يسمح الروسي لتركيا بإقامة الشريط
الحدودي الآمن. كل ذلك سيحدث بعد أن تسترجع روسيا جثماني الطيارين. ولن يؤدي ذلك
الى حرب عالمية رابعة!