عين روسيا على سيناريو ما بعد إسقاط السوخوي

علاقة روسيا بسلاطين تركيا لم تكن محببة إطلاقاً عبر التاريخ. حروب كثيرة وضارية إندلعت بين سلاطين تركيا وقياصرة روسيا. لكن هذه المرة لا قيصر في روسيا بل رئيس يدير دولة عظمى.

من المؤتمر الصحفي لوزارة الدفاع الروسية (أ ف ب)
يرى متابعون للأزمة التركية الروسية أن رئيس تركيا رجب طيب أردوغان يغامر في استمراره بالمناورة أمام شروط الكرملين لرسم طريق إنهاء الأزمة. رفض الاعتذار والتعويض هما الخطوة الأولى لكي يفكر الروس في نسيان مراجعة خطوات التصعيد الروسي، ما يحيل على توقع تدحرج درامتيكي للإجراءات الروسية وصولاً إلى لا تتمناه تركيا والتالي من يقف حلفها من الحلفاء. هذه خلاصة الأيام الساخنة والمقلقة التي تلت إسقاط الطائرة الروسية بصاروخ تركي فوق الأراضي الروسية.

لم يعرف الروس معنى أن يكون أردوغان حزيناً على سقوط الطائرة، ولم يجهدوا لتفسير معنى قوله إنه لو كان يعلم أن الطائرة روسية لما تم إسقاطها، لا سيما عندما يكلف رئيس حكومته أحمد داوود أوغلو بالقول إن احتمال حصول حادث مماثل لإسقاط السوخوي ممكن. الروس لا يحبون المزاح على ما يعرف عنهم، لا سيما إن أتى من دولة كتركيا التي يتصف زعيمها بنزعة دراماتيكية أسقطها على نفسه سعياً وراء الظهور بمظهر السلطان العظيم. علاقة روسيا بسلاطين تركيا لم تكن محببة إطلاقاً عبر التاريخ. حروب كثيرة وضارية إندلعت بين سلاطين تركيا وقياصرة روسيا. لكن هذه المرة لا قيصر في روسيا بل رئيس يدير دولة عظمى.
مسعى أردوغان لجر الرئيس فلاديمير بوتين إلى مصالحة لطالما ختمت بها النزاعات في العهود القديمة حين كان زعيمان يتجاوزا امّتيهما بالمصافحة ومن ثم تبويس اللحى لتفادي الحرب، هذا المسعى لم ينجح لا قبل قمة المناخ في باريس ولا خلالها ولن ينجح بعدها على ما يقول المطلعون.
ربما على البعض أن يشرح لقادة تركيا أن روسيا تقرأ جيداً التاريخ والمستقبل، وهي عندما تتعرض لمحنة كتلك التي أدخلتها فيها أنقرة لن تكتفي بحسابات من نوع الربح والخسارة الآنية.
ما يعرفه الروس هو أن إسقاط السوخوي قرار كبير جداً وله خلفيات تقترب إلى مصاف المؤامرة. هذا ما أوحت به تصريحات بوتين وأركان الدولة الروسية. في ندوة عقدت في موسكو قبل أيام لدراسة وتحليل حادث الطائرة قال عسكريون كبار شاركوا في المناقشات إن ما جرى هو أقرب إلى عملية تحضير لحرب كبرى، وإنه لم يتم بمحض إرادة وقرار تركيين. وبالتالي فإن ما عرضته اليوم وزارة الدفاع الروسية من وثائق وأدلة على "تورط تركيا في صفقات النفط مع داعش" بعد خطوة العقوبات الاقتصادية يوحي بأن التوجه الروسي هو الرد عملياً على السيناريو الذي وضع لما بعد إسقاط الطائرة، وإلا لما كان الجيش الروسي دفع بكل هذه الأسلحة الاستراتيجية إلى منطقة تغلي بالمفاجآت.