كواليس البحرينيين العالقين في إيران

في الحقيقة، تتداخل المعطيات وتتناقض المعلومات بشأن ما يجري. ما يقوله المعارضون يختلف عما تقوله السلطة.

  • كواليس البحرينيين العالقين في إيران
    3 آلاف مواطن بحريني علقوا خارج البلاد نصفهم في إيران

لم يدم الأمر طويلاً حتى تحوّل ملف البحرينيين العالقين في إيران من ملف إنساني إلى ملف سياسي تتجاذبه الأطراف السياسية سلطة ومعارضة.
إلى وقت قريب، كانت الأمور تسير بحدها الأدنى، وسرعان ما تدحرجت نحو الأسوأ، بعد أن وصل بعض العالقين إلى قطر ومسقط، ورفضت السلطات إرجاعهم إلى البلاد، لأنهم لم يصلوا عبر خطة الإجلاء، وإنما على حسابهم الخاص. 
تعالت الأصوات اعتراضاً. المعارضون اتهموا الدولة بإذلال المواطنين والتخلي عنهم، والدولة اتهمت قطر بالاستثمار في الملف لتحقيق أهداف سياسية، وعدم التنسيق معها بشأن هؤلاء المواطنين، كما اتهمت المعارضة بتسييس الملف، غير أنها في نهاية المطاف تراجعت وأعادت هؤلاء المواطنين إلى البحرين.
3 آلاف مواطن علقوا خارج البلاد، نصفهم في إيران، ما جعل هذا الملف على رأس أولويات المواطنين الذين تقطّعت السبل بذويهم، وباتوا في وضع مزرٍ للغاية صحياً ونفسياً. وقد توفي 7 بحرينيين بسبب معاناتهم من أمراض مزمنة، إذ لم تتوفر الرعاية الطبية اللازمة لهم، في ظل انتشار فيروس كورونا في إيران. 
في الحقيقة، تتداخل المعطيات وتتناقض المعلومات بشأن ما يجري. ما يقوله المعارضون يختلف عما تقوله السلطة، إذ يقول أحد المعارضين المتابعين للملف في الخارج، وهو متابع لملف العالقين: "أخذت المعارضة في بادئ الأمر قراراً بعدم التدخل، خوفاً من تسييس الملف، وهو ملف إنساني. ليست المعارضة من يسيس الملف، وإنما الدولة، بإمعانها في الخصومة وانتقامها من المواطنين".
ويضيف: "إهمالها للمواطنين ومطالبهم بالعودة إلى بلادهم كان الدافع نحو التحرك والضغط، وليس في الوارد تسييس الملف. ما نريده هو حلحلة وضع هؤلاء المساكين، ومن بينهم كبار في السن، باتت أوضاعهم الصحية في خطر، على الرغم من أن أصحاب الحملات كانوا أيضاً حريصين على أن لا يتم تسييس الملف، وطلبوا من المعارضة عدم التدخل خوفاً من تعقيد الأمر، ما يؤدي إلى تعطيل رجوعهم إلى البحرين، ولكن الأمر لم يعد يحتمل".
ويقول ناشط حقوقي آخر: "ما يجري هو عملية انتقام وإمعان في التمييز الطائفي بحق المواطنين. لقد عرض الإيرانيون على البحرين تسيير رحلات يومية لإجلاء العالقين من دون أي كلفة، إلا أن البحرين رفضت ذلك، وعمدت إلى عرقلة الرحلات التي من الممكن أن تعيد المواطنين إلى البلاد عبر دول مجلس التعاون الخليجي. كما أن البحرين استقبلت أشخاصاً عالقين من الكويت، ووفرت لهم أفضل الفنادق، فيما رفضت السلطة استقبال مواطنيها، ناهيك بالتمييز الطائفي الحاصل، فمن يصل قادماً من إيران يوضع في الحجر مباشرة، فيما القادمون من دول أخرى، يتم سؤالهم للبقاء في المنزل لمدة 14 يوماً".
يقول المصدر: "الإيرانيون وضعوا البحرينيين ضمن أولوياتهم، رغم ما يعانونه من أزمة كبيرة في مواجهة فيروس كورونا، فقد تم تأمين فنادق لهم وفريق طبي لزيارتهم باستمرار لمتابعة حالاتهم الصحّية. لا أعتقد أن المطلوب منهم أكثر من ذلك. المطلوب من الحكومة في البحرين أن تحترم رعاياها وتعيدهم في أسرع وقت".
على النقيض، يروي مصدر مقرب من السلطة معلومات مغايرة، فيقول: "لا يوجد بعد طائفي في الموضوع، والأمر له علاقة بترتيبات الدولة لوجستياً، إذ كان هناك إرباك في البداية في كيفية التعامل مع العالقين في إيران، ولكن الأمر الآن حسم بإجلائهم عبر خطة متسلسلة وواضحة. هناك عالقون في الأردن ومصر والهند وإندونسيا، وفي دول أخرى، ولكن العدد الأكبر في إيران. وبحكم انتشار الوباء فيها، بدا الملف أكثر تعقيداً. وما أثار المشكلة هو دخول بعض المعارضين والحقوقيين البحرينيين في الخارج على الخط، وخصوصاً أن هذا التدخل جاء بعد إعلان خطة الإجلاء وليس قبله".
ويضيف: "الدولة كلّفت الأوقاف الجعفرية بمتابعة أحوال البحرينيين، والأخيرة تواصلت مع الجهات المعنية في إيران لتوفير السكن المناسب وصرف مبالغ مالية للعالقين، بما يقارب 190 دولاراً للشخص يومياً، إلى أن يتم إجلاؤهم ضمن خطة الإجلاء المعلن عنها. وضعهم الآن أكثر استقراراً، وهم تحت رعاية الدولة. قد تكون خطة الإجلاء طويلة، ولكن في نهاية المطاف المطلوب هو تحسين الشروط، وليس بالضرورة تسييس الملف، وتوتير الأجواء، واستثارة الحكومة. وفي رأيي، ما يحصل بين البحرين وإيران يندرج ضمن العناد الدبلوماسي".
 ويقول أيضاً: "للعلم، إيران هي التي عطَّلت الرحلة التي كانت مقررة لإجلاء بعض البحرينيين عبر شركة طيران "السلام" العمانية، وأصرّت على أن تتم عملية الإجلاء عبر طيرانها. بطبيعة الحال، تنظر الدولة في البحرين إلى هذا الأمر على أنه بمثابة محاولة لليّ ذراعها، ولن تقبل به، والايرانيين تحديدا".
لماذا لم يتم تسيير رحلات عبر الطيران الوطني لإجلاء المواطنين والاستعاضة عنه بشركات أخرى؟
بخصوص إجلاء حكومة البحرين لمواطنين من دول مجلس التعاون، ناهيك بالتمييز الذي يطال المواطنين القادمين من إيران مقابل القادمين من وجهات أخرى، يوضح المصدر: "لم يتم إجلاء المواطنين عبر الشركة الوطنية، ذلك أن قرار الحكومة منذ البداية هو عدم استخدام الشركة الوطنية للإجلاء، سواء للمواطنين البحرينيين أو غيرهم. وبخصوص إقامة العالقين الخليجيين في فنادق مخصصة، تم ذلك على حساب دولتهم، وما توفره البحرين طبياً للمواطنين متوافق مع مواصفات منظمة الصحة العالمية".
وبخصوص التمييز بين المواطنين القادمين من إيران وأولئك القادمين من دول أخرى، يقول: "الحكومة قررت وضع أي مواطن يأتي من إيران في الحجر. أما من يأتي من دول أخرى، أياً كانت طائفته، فيطلب منه البقاء في المنزل 14 يوماً، وذلك بحكم انتشار الوباء في إيران بشكل كبير. إن الخوف لدى الحكومة مبرر، وهو في صالح المواطن والدولة على حد سواء، ولا يوجد تمييز في ذلك. القادمون من دول غير إيران ينتمون إلى الطائفتين. أين التمييز في الأمر؟ ما يثيره بعض المعارضين غير صحيح وغير دقيق، والغرض منه إثارة الناس فقط".
بشكل عام، تشير المعلومات إلى أنّ البحرين تمتلك الإمكانية اللوجستية لاستقبال العالقين، سواء في تجهيز الأماكن للعزل والحجر أو في توفير الإمكانيات الطبية، وخصوصاً أن ولي العهد أمر بشراء آلاف أجهزة التنفس.
 وحتى الآن، لم تضطرّ المملكة إلى استنفاد كل ما لديها، لأن انتشار الوباء ما زال محدوداً، ولكن في السيناريو الأسوأ، فإن الاستعدادات اللوجستية، كما هو معلن، تكفي لمواجهة الوباء، وبالتالي لدى البلاد القدرة على تسريع عملية الإجلاء وتحسين الخطة الموضوعة، إذ إن ملف العالقين في إيران وغيرها من الدول يبقى ملفاً إنسانياً بامتياز، ومن شأن حلحلته سريعاً أن يخفّف الاحتقان ويهدئ النفوس، بينما تحوّله إلى ورقة سياسية من شأنه أن يزيد الأمر تعقيداً، ويعقّد حياة العالقين أكثر، ويعرضهم لمخاطر الإصابة بفيروس كورونا وهم بعيدون عن بلدهم وذويهم. 
 

أعلنت منظمة الصحة العالمية في 31 كانون الأول/ديسمبر 2019 تسجيل إصابات بمرض الالتهاب الرئوي (كورونا) في مدينة ووهان الصينية، ولاحقاً بدأ الفيروس باجتياح البلاد مع تسجيل حالات عدة في دول أخرى حول العالم.