ما أهمية الصاروخ الإيراني الجديد؟
لقد شكّل البرنامج الإيراني لتطوير الصواريخ في بداياته مسألة تكتنفها الأسرار ويلفّها الغموض بالنسبة إلى الولايات المتحدة والدول العربية وإسرائيل، فالمعلومات عن البرنامج كانت ضئيلة ومُتقطّعة. وكان على الجميع انتظار ما تكشفه إيران من مُفاجآت تقنية.
ورأى عددٌ من الخبراء بأنّه من الممكن مقارنة البرنامج الإيراني بالبرنامج الباكستاني. وقد استطاعت إيران خلال 25 سنة من البحث والتجارب، أن تنتج مُحرِّكات صاروخية بقياساتٍ صغيرةٍ تعمل بالوقود الصلب، وأن تستعمل هذه المُحرِّكات من أجل تطوير صواريخ قصيرة المدى، يمكن استعمالها كمدفعيةٍ بعيدةِ المدى.
البداية مع ما نقلته الأخبار من أن (إيران تكشف عن منظومةٍ للدفاع الصاروخي يمكنها المساعدة في التصدّي لصواريخ "كروز" والصواريخ الباليستية والطائرات المُسيَّرة). ذلك في العاشر من آب/ أغسطس الحالي، مع الحديث عن منظومةٍ للدفاع الصاروخي جرى تطويرها محلياً بمدى 400 كيلومتر ويمكنها المُساعدة في التصدّي لصواريخ كروز والصواريخ الباليستية والطائرات المُسيَّرة. ومعها عَرَضَ التلفزيون الإيراني لقطات لمنظومة "فلق" وهي مركبة رادار مُتنقّلة قال التلفزيون إنها نسخة مُتطوّرة من منظومة "غاما" التي قال خبراء عسكريون إنها روسية الأصل.
مُحلّلون عسكريون غربيون جاءت تصريحاتهم هنا بأن إيران عادة ما تُبالِغ في قُدرات أسلحتها، لكن المخاوف بشأن برنامجها الخاص بالصواريخ الباليستية ساهم في انسحاب واشنطن العام الماضي من الاتفاق الذي أبرمته إيران مع قوى عالمية في عام 2015، ويهدف إلى الحد من طموحاتها النووية، مقابل تخفيف العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها. وهنا جاء الردّ عبر وكالة «مهر» الإيرانية، والتي نقلت عن قائد قوَّة الدفاع الجوي للجيش الإيراني، العميد علي رضا صباحي فرد، قوله إن «المنظومة تتمتَّع بقدراتٍ عاليةٍ وقادرةٍ على كَشْفِ كل أنواع صواريخ (كروز) والصواريخ الباليستية والطائرات المُسيَّرة».
نعم يأتي هذا الإعلان في ظلّ تصاعُد التوتّرات في الشرق الأوسط حيث ضاعفت الولايات المتحدة في الأشهر الأخيرة من ضغوطها على إيران. وانسحبت واشنطن في 2018 من الاتفاق النووي الموقَّع مع طهران في فيينا، وأعادت فَرْض عقوبات اقتصادية قاسية عليها. وازداد منسوب التوتّر بين الدولتين، بعد تعرّض سفن في الخليج لأعمالِ تخريبٍ وهجمات، بالإضافة إلى إسقاط طهران طائرة مُسيَّرة أميركية. كذلك فهذه المنظومة «قادِرة على رَصْدِ وكَشْف صواريخ (كروز)، وطائرات خفيّة ومُسيَّرة وصواريخ باليستية» في نطاق 400 كيلومتر. وسبق أن نشرت إيران، في مارس/ آذار 2016، في أعقاب التوقيع على الاتفاق النووي، منظومة الدفاع الجوي الروسية «إس 300»، فيما قالت وكالة "مهر" الإيرانية إنّ «(فلق) قابلة للاتصال بشبكة الدفاع الجوي الموحّدة، وتكمل التغطية الرادارية لمنظومة (إس 300)».
قد يُظهر الإيرانيون تمنّعاً كبيراً عن مناقشة ملف الصواريخ، وتعدَّدت التصريحات الرسمية الرافِضة لإثارة الموضوع من الأساس بوصفه مسألة سيادية، وحتى عقب حديث وزير الخارجية الإيراني محمّد جواد ظريف عن احتمال قبول مناقشة البرنامج الصاروخي مع واشنطن، نقلت وكالة «إرنا» عن المُمثلية الإيرانية في الأمم المتحدة تأكيدها أن البرنامج الصاروخي الدفاعي الإيراني غير قابل للتفاوض إطلاقاً، وأعادت تفسير كلام ظريف، مؤكّدة أنه أسيء فهمه.
في القلب من كل ما سبق تبقى هي محاولات محمومة، فطهران لم تتوقَّف عن محاولات تطوير برنامج الصواريخ الباليستية حتى بعد توقيعها الاتفاق النووي في منتصف 2015، فقد كشفت تقارير أجهزة استخباراتية غربية محاولات محمومة لتطوير منظومة الصواريخ وتوسيع مداها، وهذا ما يجعل البعض يشكّ في تصديق الإعلان الإيراني عن قدرات أسلحتها الجديدة، فكثيراً ما يتمّ اكتشاف وجود مُبالغات كبيرة في تلك القدرات. ويرجع البعض أن هذا البرنامج الصاروخي الدفاعي الإيراني يُعدّ أحد الملفات الأكثر خطورة على الأمن والاستقرار العالمي.
هنا من المهم أن نشير إلى أنّ إيران قد نجحت في إعطاء هذه الصواريخ قيمة استراتيجية من خلال استعمالها في نزاعات غير تقليدية، تخوضها بواسطة بعض التنظيمات المُسلّحة المُتحالِفة معها، والتي تساعدها على مدّ نفوذها إلى الدول الأخرى. الصواريخ الباليستية متوسّطة وبعيدة المدى في أثناء الحرب مع العراق 1988-1980 اشترت إيران عدداً من صواريخ (سكود–B) ذات مدى 300 كلم، وأَطلَقَت عليها إسم شهاب. كما اشترت في مرحلةٍ لاحقةٍ عدداً من صواريخ (سكود–C)، كما اشترت مصنعاً لتصنيع هذه الصواريخ التي تُعرَف في كوريا الشمالية بإسم هواسنغ-5 ويبلغ مداها 600 كلم.
سبق أن نَقَلَت صحيفة "دي فيلت" الألمانية، عن مصادر مخابراتية لم تسمّها، قولها إن إيران اختبرت صاروخ كروز يُسمَّى سومار قادِراً على حمل أسلحة نووية، ولم يصدر حتى الآن أيّ تعليق على التقرير من وكالة المخابرات الألمانية (بي.ان.دي) أو من السلطات الإيرانية. والصاروخ سومار جرى تصنيعه في إيران وحلَّق لنحو 600 كيلومتر في أول اختبار ناجح مُعلَن لإطلاقه. كما نقلت الصحيفة أنه يُعتَقَد أن الصاروخ قادِر على حمل أسلحة نووية ويمكن أن يتراوح مداه بين 2000 و3000 كيلومتر.
رأى الخبير الاستراتيجي الأميركي أنطوني كوردسمان، بأنّ إيران قد حقَّقت تقدّماً مُطرداً في تكنولوجيا الصواريخ وبأنّها تُركّز بشكلٍ أساس على تحسين أجهزة التوجيه لهذه الصواريخ. وتراقب واشنطن باهتمامٍ كبيرٍ جهود إيران لبناء قوّة صاروخية. وكان المُتحدِّث بإسم البنتاغون الأميرال جون كيربي قد صرَّح إثر إعلان إيران في شباط/ فبراير 2014 عن تجربتها لصاروخين (أرض– أرض)، و(أرض– جو) موجّهين بواسطة أشعة لايزر، بالإضافة إلى صاروخ بالستي قادِر على حَمْلِ رؤوس مُتفجّرة مُتعدّدة، بأنّ "هذا البرنامج الصاروخي يشكّل تهديداً خطيراً لأمن المنطقة".
بالعودة إلى ما قالته مؤخّراً وكالة «إسنا» الإيرانية، عن منظومة «فلق» (عبارة عن نسخة محلية مُجدَّدة من رادار المُراقبة «غاما»، الروسي الذي استوردته إيران في السابق، لكنها لم تستخدمه بسبب العقوبات والنقص في قطع الغيار، وعدم تمكّن الطواقم الأجنبية من إصلاحه). وإن لم تذكر الوكالة الإيرانية المكان الذي جرت فيه إزاحة الستارة عن المنظومة الجديدة. لتبقى التصريحات الإيرانية عن منظومة "فلق" الدفاعية الصاروخية.. تأتي في سياق الحديث عن بديل العقوبات.