الحكمة.. بين كابوس الأزمة وهاجس الخدمة
من الأسلم لتيار الحكمة استباق النتائج والانسلاخ بهدوء ورويّة من تحالف الإصلاح والذهاب نحو المعارضة والاتكاء على سدّتها وترصّد البرنامج الحكومي, أو الائتلاف مع أطراف أخرى أكثر استقراراً وانسجاماً, بما يتوازى والتمثيل العددي للكتل الأخرى.
إن تتحقّق القراءة الواقعية المجرّدة لمجريات الأحداث السياسية وما لها من مخرجات ونتائج؛ مرهون بطبيعة الحال بالتحرّر والانسلاخ من الميول السياسية والانتماءات الحزبية, وما يلحقها من متبنيات و إسقاطات فكرية, لتجنّب الوقوع في منزلق التخندق والتمحورِ حول فلكِ قراءةٍ ممنهجة تحذو بصاحِبها نحو مجانبةِ الصواب والابتعاد عن الحيادِ, في طرح وتحليل المعطيات السياسية المتوافرة على أرضِ الواقع, بما يتناسب وطبيعة المقدّمات وما يتبعها من نتائج واقعية متحقّقة.
قد يجد البعض إن التنوّع الحاصل في طبيعة التحالفات السياسية الأخيرة, حالة صحية تساعد بشكل أو بآخر على نهوض العملية السياسية وتقويم ما لحق بها من اعوجاج وترهّل في الدورات السابقة, إلا أن هذا التنوّع بتراكيبه المعقّدة وتوجّهاته المُتناقضة وما أفرزه من نتائج على أرض الواقع, ينافي القول بإيجابية آثاره الواقعية.. لا نريد إن نكون متشائمين بقدر مانريد النظر إلى الحقيقة كما هي, من دون تزويق وتزييف أو مُداهنة, فالطاولة المستديرة التي تضمّ أطراف مكوّناتها المتحالفة؛ لم تعد مستديرة بل أصبحت مُتعرّجة!
ما كان ينبغي لتيار الحكمة إن يطمح لإعادة تجربته الناجحة (بشهادة الجميع) في وزارة الشباب والرياضة واستنساخها في الدورة الحالية, والحصول على منفذ آخر, وإدامتها في إحدى المفاصل الخدمية المهمة, وهو محاط بجملة من التعقيدات والملابسات الشائكة, من دون إعادة النظر و مراجعة استراتيجياته وقناعاته بالبقاء في تحالف الإصلاح والإعمار من عدمه, كونه – تحالف الإصلاح- لم يعد يحظى بذات الانسجام بين مكوّناته كما هو في بادئ الأمر, وخصوصاً من الكتل الكبيرة المنضوية بين صفوفه.. نعم, لا نختلف على أن حجوم الكتل السياسية واستحقاقاتها الانتخابية, هو اللاعب الأساس في بلورة المفاوضات واتخاذ القرارات السياسية المهمة داخل التحالف, لما يحظى به من تمثيل نيابي يمكّنه من إدارة دفّة المفاوضات, وفقاً لمبادئ الديمقراطية وما أفرزته العملية الانتخابية, لكن بشرطها وشروطها, و أولها؛ ضرورة إن يكون هناك تنسيق عالي المستوى بين جميع أطراف مكوّنات التحالف الواحد, من دون إقصاء أو تهميش أو التفرّد بالقرارات وما يلحقها من إجراءات, وما عداها سيكون سالباً بانتفاء الموضوع! لكونه يفتقر للمصداق بكل من معنييه اللغوي والاصطلاحي, وانعدام تحقّق – مفهوم التحالف- إلا في طيّ المغالطات.
لا يخفى على المتابع للمشهد السياسي العراقي, حجم التذمّر والامتعاض الشديدين, لممثلي الأحزاب والكتل السياسية المنضوية في تحالفي (الإصلاح – والبناء) لما لمسوه من تفردٍ بالمفاوضات واتخاذ القرارات وإبرام الاتفاقيات من قِبَل كتلتي (الفتح – وسائرون) من دون التنسيق مع أطراف مكوّنات تحالفيهما, مما أدّى بالنتيجة إلى تصدّع وحدة القرار في التحالفين الرئيسين وقد يجرّ إلى التشظّي في أية لحظة ممكنة, وهي نتيجة حتمية متوقّعة وفقا للمعطيات المتوافرة.
من الأسلم لتيار الحكمة استباق النتائج والانسلاخ بهدوء ورويّة من تحالف الإصلاح والذهاب نحو المعارضة والاتكاء على سدّتها وترصّد البرنامج الحكومي, أو الائتلاف مع أطراف أخرى أكثر استقراراً وانسجاماً, بما يتوازى والتمثيل العددي للكتل الأخرى, لحد تفرّد الآخرين برسم خارطة توزيع المناصب وتمرير إرادتهم, لتجنّب المُساءلة في حال لم يتمكّن من تطبيق برنامجه والالتزام بتعهّداته أمام الجمهور, وإلا فمحاصرته وإقصاؤه قائمان لا محال, وخير دليل على ذلك هو ما حصل لمحافظ واسط (المنتمي لتيار الحكمة) ومحاولة الإطاحة به قبل بضعة أشهر من قَبِل أعضاء مجلسها المنتمين لذات الكتلة التي يأتلف معها تيار الحكمة في تحالف الإصلاح, فضلاً عن التجارب السابقة واللاحقة لحلفائه قي بناء دولتهم العميقة على أنقاض تحالف الإصلاح والإعمار ومكوّناته وما سبقه من تحالفات..