دوافع استقالة المبعوث الأممي هورست كولر من الوساطة الأممية بشأن قضية الصحراء الغربية

قضية الصحراء الغربية، ومنذ دخولها أروقة الأمم المتحدة، في العام 1991، وصدور أول قرار بشأنها من مجلس الأمن في 29 أبريل من نفس السنة، لإيفاد بعثة الأمم المتحدة للإستفتاء في الصحراء الغربية "مينورسو‘" إلى الإقليم، عاشت على  وقع محاولات متكرّرة من قِبَل الهيئة الأممية من أجل حل لغز الإستفتاء العالق نتيجة رفض المغرب قبول اللوائح التي أعدّتها البعثة لهذا الغرض.

تابع المهتمون بالوضع في منطقة شمال إفريقيا، تحديداً ''قضية تصفية الاستعمار في الصحراء الغربية''، -تابعوا- وسط أجواء سادها نوع من الإستغراب، القرار المفاجئ وغير المتوقّع، استقالة مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء الغربية هورست كولر، أوضحت في ما بعد الهيئة الأممية أن السبب راجع لدواع صحية، حالت من دون القدرة على استكماله للجهود التي بذلها في سبيل إيجاد حل عادل ودائم لقضية الصحراء الغربية، التي أصبحت من بين القضايا الدولية العالقة والمعقّدة في عصرنا الحالي، وذلك راجع بشكل كبير إلى تقاطع مصالح بعض البلدان الأجنبية لا سيما إسبانيا القوة المديرة للإقليم وفرنسا العضو الدائم في مجلس الأمن مع إستمرار الإحتلال المغربي غير الشرعي للصحراء الغربية والإبقاء على الوضع الحالي (حالة اللاحرب واللاسلم) منذ توقيع إتفاق وقف إطلاق النار بين طرفي النزاع جبهة البوليساريو بصفتها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الصحراوي والمملكة المغربية القوة التي تحتل الإقليم بعد إنسحاب الإستعمار الإسباني وتسليم الإقليم بموجب اتفاقية مدريد المشؤومة بين المغرب والمجموعة الموريتانية في عهد الرئيس ولد داداه، وضمان الأرباح والمصالح الإقتصادية لإسبانيا.

قضية الصحراء الغربية، ومنذ دخولها أروقة الأمم المتحدة، في العام 1991، وصدور أول قرار بشأنها من مجلس الأمن في 29 أبريل من نفس السنة، لإيفاد بعثة الأمم المتحدة للإستفتاء في الصحراء الغربية "مينورسو‘" إلى الإقليم، عاشت على  وقع محاولات متكرّرة من قِبَل الهيئة الأممية من أجل حل لغز الإستفتاء العالق نتيجة رفض المغرب قبول اللوائح التي أعدّتها البعثة لهذا الغرض. تعنّت الرباط ودعم باريس لها في هذا الإتجاه بهدف ضمان مصالحها في المنطقة، حتّم على الأمم المتحدة نهج إستراتيجية المبعوثين الأمميين، لعلّ ذلك يسهّل تقارب وجهات النظر بين طرفي النزاع والإستماع إلى مقترحات جديدة قد تتقاطع في ما بينها في حل توافقي يمر عبر الإستفتاء من قِبَل الشعب الصحراوي، ولهذه الغاية بادرت الأمم المتحدة في مارس 1997، إلى تعيين وزير الخارجية الأميركي الأسبق جيمس بيكر مبعوثاً شخصياً للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء الغربية، الدبلوماسي وضع عدّة خطط في سبيل إنهاء النزاع، ولعلّ أهمها خطة بيكر الثانية التي حظيت بإجماع من مجلس الأمن وموافقة من قِبَل جبهة البوليساريو ، إلا أنها جوبهت بالرفض من قِبَل المغرب الذي كان سبباً في إقدام جيمس بيكر على تقديم استقالته نظراً لاستحالة إحراز تقدّم في مسار التسوية بل دخوله إلى دائرة مغلقة.

هذه الأحداث والوقائع لم تعط أية نتائج إيجابية تجاه مسار البحث عن الحل العادل والنهائي، ولم تكن كذلك كافية لإقناع الهيئة الإستغناء عن هذه الإستراتيجية أو استبدالها، رغم الفشل الذريع الذي واجه محاولات كل المبعوثين الأمميين نتيجة لنفس الأسباب، "عدم إحراز أيّ تقدّم، وغياب إرادة سياسية من قِبَل الاحتلال المغربي ومعه فرنسا من داخل مجلس الأمن ورفضهما القاطع لأية مبادرة من شأنها أن تنهي النزاع وفق مبادئ ومقاصد الأمم المتحدة" ، بهذا التصوّر الخاطئ من المنتظم الدولي وعدم الإلتزام بالشرعية الدولية ظل الملف يراوح مكانه وسط جمود رهيب، رغم مروره بلحظات وأحداث كانت نوعاً ما محل قلق نسبي للأطراف المستفيدة من بقاء القضية عالقة من دون حل، إلى أن برز في 29 أغسطس 2017، حدث لم يمكن متوقّعاً، بتعيين الرئيس الألماني الأسبق هورست كولر، ليكون بذلك أول رئيس سابق لبلد أوروبي وبحجم كبير يتم تعيينه في منصب مبعوث أممي إلى الصحراء الغربية.

الوافِد الجديد إلى قضية تعيش أصعب مراحلها، ركّز في بداية عمله كمبعوث للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء الغربية على كيفية بعث روح جديدة في الملف بعد حالة الجمود غير المسبوق، منذ آخر جولة مفاوضات في العام 2012 بوساطة من السفير الأميركي  كريستوفر روس مبعوث الأمم المتحدة آنذاك. وكانت أول خطوات كولر هي بمباحثات في سبتمبر 2017، مع وفد عن جبهة البوليساريو في نيويورك يترأسه  أمحمد خداد المنسق مع بعثة المينورسو ورئيس لجنة العلاقات الخارجية للجبهة، مرفوقاً بممثل الجبهة لدى الأمم المتحدة الراحل البخاري أحمد، أتبعها في إكتوبر بزيارة إلى المنطقة ولقاء كل من طرفي النزاع المغرب وجبهة البوليساريو، و إلى البلدين المجاورين موريتانيا والجزائر وهي الزيارة التي كانت بمثابة قياس حُسن نيّة الطرفين ومدى إستعداد البلدين المجاورين للتعاون مع مساعيه وخطته التي حشد لها في البداية دعماً قوياً من القوى العظمى ومن الأمانة العامة للأمم المتحدة، الخطوة وعكس كل التوقّعات، نجحت إلى حد كبير في كرس الجليد الذي غمر مخطط السلام، بحيث إستطاع كولر في ظرف قياسي أن يعقد إجتماعات مع الوفود خارج بلدانهم لمناقشة العودة للتفاوض عبر ما بات يُعرف لاحقاً بالطاولة المستديرة، رغم تعنّت المغرب وتحفّظه على الإجتماع في الوهلة الأولى، ثم الإشتراط بنقل اللقاء إلى لشبونة بدلاً من برلين حيث مكتب المبعوث.

خطوات الرئيس الألماني الأسبق، ظلّت محل ترحيب وإشادة ودعم من قِبَل مجلس الأمن وكل البلدان عدا فرنسا التي تبيّن في ما بعد أنها في وضع جد مقلق حيال هذه النتائج المتحصّل عليها والزخم الإعلامي الذي أحدثه ، وأعادت من خلاله الملف إلى الواجهة، إذن هي كلها معطيات كانت سبباً رئيسياً بأن ترى باريس في إستمرار كولر، مصدر قلق وإزعاج وتهديد حقيقي لمصالحها الضيّقة، كيف لا وهو صاحب تاريخ فريد خاصة في سنوات التسعينات حين لقّب بكبير المفاوضين في مفاوضات ماسترخت، لتوحيد العملة الأوروبية الموحّدة، وقبلها خوضه مفاوضات مع حكومة جمهورية ألمانيا الديمقراطية بشأن توحيد عملة ألمانيا، ومفاوضات مع روسيا لسحب القوات السوفياتية من جمهورية ألمانيا الديمقراطية، كلها معطيات جعلت من الرجل كابوساً لتلك القوى، ويكفي دليلاً على ذلك تحفّظ المغرب مدّة طويلة على تعيينه، قبل حتى أن يقدّم أية معلومات عن الإستراتيجية التي سيتخذها في المهمة الموكلة إليه من قِبَل الأمانة العامة للأمم المتحدة.

وبالعودة إلى قرار الإستقالة المُفاجئ، لأحد أبرز الشخصيات التي استلمت هذا الملف، في الوقت الذي كان الكل فيه ينتظر بأن يحدّد موعداً لعقد الطاولة المستديرة الثالثة بعد تفاؤله بنتائج الأولى والثانية، هذا المستجد حتّم علينا كمتابعين ومعنيين بالدرجة الأولى، طرح علامات استفهام حول خلفيته أي (القرار) والبحث في الأسباب التي جعلت  كولر يستسلم في هذا التوقيت بالذات؟ رحلة البحث هاته عن الحقائق لا تستغرق وقتاً كثيراً بالنظر إلى المدة القصيرة التي عمل خلالها الرجل بهذا المنصب، بالتالي وبمجرد الوقوف على الخطوات التي إتخذها في مسار التسوية يتّضح بأنها لم تكن محل رضا وقبول من بعض الأطراف في مجلس الأمن، بل العكس كانت مصدر إزعاج لهم، وذلك راجع لكونهم المستفيد من الوضع الحالي في الصحراء الغربية والمنطقة ككل، تحديداً فرنسا التي سخّرت كل جهدها خلال معالجة مجلس الأمن للملف، ومارست ضغوطات كبيرة للتأثير في القرارين الأخيرين وضرب نتائج الطاولة المستديرة، ذلك بدءاً بإلحاحها على تمديد ولاية البعثة لسنة بدل ستة أشهر قصد تعطيل خطة كولر، ثم  بالإعتراض على إدراج مسألة حقوق الإنسان أو إيفاد بعثات إلى الصحراء الغربية لهذا الغرض، ما يعني عرقلة حقيقة متعمّدة لعمل المبعوث وإفشال كل المبادرات التي تقدّم بها بهدف الضغط على الطرفين للتعاطي مع الديناميكية التي أطلقها وإعطاء دفعة جديدة لمسار التسوية الأممية، هذا طبعاً يضاف إليه عامل آخر هو تشجيع باريس للحكومة المغربية المضيّ في تعنّتها في العملية التفاوضية، ورفض كل المقترحات التي تقدّم بها المبعوث الأممي، لاسيما المقترح الذي كان يطمح له ويعوّل عليه كثيراً، المتمثل في إشراك الاتحاد الإفريقي في خطته للبحث عن حل نهائي ومستدام للنزاع القائم لعقود بين بلدين عضوين على قدم المساواة داخل هذه المنظمة القارية.