جملة أزمات أردنية تواجه حكومة الرزاز
الرزاز، الذي وجد ترحيباً حاراً في الشارع الأردني، لا يمتلك الولاية العامة، لا بل فإن جلّ ما تمّ في عهده كان مجرد دخان، انطفأت ناره، فلم يعد قادر على اكمال الوعود التي وعد بها الأردنيين بها، خصوصاً وأن قواعد اللعبة فيه تتغير، والرهان على الدعم الخارجي لم يعد مطروحاً ولا ممكناً.
يبدو الفارق كبيراً بين ما ينطق به رئيس الوزراء الاردني الدكتور عمر الرزاز وبين ما يترجمه وينفذه على أرض الواقع. فأطروحته النظرية لا تتماشى مع اجراءات حكومته التي جاءت على أنقاض حكومة هاني الملقي. فعلى أرض الواقع يبدو أنه يمتلك هامش مناروة يتيح له الحركة على مفاتيح الشارع الأردني.
المطلعون على مدار سنوات عجاف طويلة يتحدثون أن هذا البلد الذي عانى ولا يزال من تبعات الربيع العربي سار على نهج خاطىء في كل مناحي الحياة بدءاً من الخصخصة وانتهاء بمشروع النهضة الذي يبشر به الرزاز. لا بل أن كل المشاريع التي جاءت بها الحكومات المتعاقبة ومنها حكومة الرزاز التي يطلق عليها في الشارع الأردني حكومة الأصدقاء، كانت عبارة عن أحلام لم تصمد طويلا أمام الواقع الذي يعيشه المواطن. ويفسر البعض أنه يعود إلى مفهوم الولاية العامة عن الحكومة. وهو مفهوم مطاط ولزج ومائع أحيانا ولا يستطيع أحد على الاقل في الأردن أن يقول ما هو مفهوم الولاية العامة، وكيف يمكن أن نفصل شخصيات الحكومة وتوجهاتها عن الدولة العميقة في الأردن؟.
إنّ كافة قرارات الدولة تأتي من جهات معروفة، بل أن الدولة العميقة التي يتباهى بها البعض، كان لها من الهفوات والاخطاء الكبيرة وهي ربما أخطاء مرتكبة عن قصد أو جاءت في سياق الاجتهاد وكلا الأمرين فادح. ففي مفهوم قيادة الأوطان ليس هناك خطأ عن قصد أو غير قصد. فالنتيجة واحدة كما يقول المطلعون محلياً ودولياً.
الأزمات تنفجر دفعة واحدة في وجه الأردن، فما بين أزمة اقتصادية ومعيشية خانقة، وأزمة سياسية وحكومية متفاقمة، تنعكس الأزمات التي كانت تواجهها المملكة في الماضي، فترتفع الأصوات الرسمية الأردنية تشكو بأن هذا البلد العربي يواجه جملة أزمات، في الوقت الذي لم يعد يجد حليفًا موثوقًا في الخارج، ولا ظهيرًا مستعدًا في الإقليم.
الأزمة الاقتصادية التي يعانيها الأردن هي أزمة مزمنة، لكنه كان قادرًا على الخروج منها، أو احتوائها وتأجيل حلّها، مرة بفضل الدعم السخي من الأشقاء، أو النجدة السريعة من الأصدقاء، ولكن، وهنا تكمن المشكلة، لم يعد هناك من يوفر هذا الدعم، أو بالأحرى لم يعد سخاء الأصدقاء والاشقاء متوفراً، في ظل تعنت القرار السياسي الأردني برفض ما تسمى بصفقة القرن.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا في الأردن، هل يتحمل الرزاز عبء الحكومات المتعاقبة في بلد ينهشه الفساد، وتأكله نيران الفقر والبطالة؟، ام أن للرزاز دور في تأزيم الوضع، وزيادة التراكمات؟.
الرزاز، الذي وجد ترحيباً حاراً في الشارع الأردني، لا يمتلك الولاية العامة، لا بل فإن جلّ ما تمّ في عهده كان مجرد دخان، انطفأت ناره، فلم يعد قادر على اكمال الوعود التي وعد بها الأردنيين بها، خصوصاً وأن قواعد اللعبة فيه تتغير، والرهان على الدعم الخارجي لم يعد مطروحاً ولا ممكناً، فالحكومة التي كانت قادرة على توظيف علاقاتها الإقليمية والدولية لتجاوز الأزمات الداخلية، تجد اليوم صعوبة حقيقية في مواجهة استحقاقات الأزمة، وفي احتواء تفاعلاتها السياسية والاجتماعية، ولذلك نجدها تختار الحلول الصعبة المكلفة والمتمثلة بزيادة الضرائب ورفع الدعم، وهو ما يضعها في مواجهة داخلية خطرة قد تكون بداية تغيير عميق قد لا يكون الأردن مستعدا له أو جاهزا لتحمل تبعاته.
ولعلّ حالة "انعدام الثقة" التي ميزت علاقات الأردن الثنائية، بأهم حليفين استراتيجيين له، الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية من جهة وبالعلاقة بين الأردن وإسرائيل من جهة أخرى، أثرت كثيراً في الأزمة الاقتصادية التي تعتصر الأردن والأردنيين، مع توجه الحكومة للاستجابة لتوصيات صندوق النقد الدولي من جهة ثالثة.
فى العام الماضى تعرض الأردن للعديد من الأزمات، ويمكن أن نجمل منها حادث السفارة الإسرائيلية فى عمان حينما أطلق حارس السفارة النار فقتل أردنيين وجرح آخرون، ثم مؤتمر الرياض أو القمة الإسلامية الأمريكية ووجود ترتيبات خاصة بفلسطين المحتلة تأتى على الحقوق التاريخية للأردن فى فلسطين وتتجاوز الأردن، والإعلان عن مدينة "نيوم" التي تضع الاقتصاد الأردني الهش فى مهب الريح، وافتتاح ميناء عرعر على البحر المتوسط، كذلك ممارسة السعودية ضغطا على المملكة لقطع علاقتها الاقتصادية بقطر، هذه الضغوط التى تتعرض لها الأردن تجعلها تفكر فى أن تذهب بعيداً عن الخيارات المطروحة.
في إتجاه آخر يُبدي الأردن مخاوفه من سعي السعودية المتسارع إلى إقامة علاقات مع إسرائيل، مدفوعة برغبة ولي العهد، محمد بن سلمان، في التطبيع مع تل أبيب، وتأتي مخاوف عمّان من أن يكون ذلك التقارب على حساب الفلسطينيين الذين يشكلون جزءًا كبيرًا من سكان الأردن، بحسب ما ذكره تقرير لموقع "ميدل إيست آي"، الخميس 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2017.
وعودة إلى الشارع الأردني فإن الحراك الشعبي الذي لم تنطفئ جذوته منذ رمضان الماضي يركز في سعيه للوصول إلى ترجمة التدافع القوي للأفكار والهموم التي تلامس حاضر الأردن ومستقبله، وترددت كثيراً منذ زمن، لعلّ هناك بصيص أمل في بداية تغيير أو اصلاح لنهج للأسف بدأ يأتي على قواعد بناء الدولة الراسخة مقابل الحصول على فتات المصالح الشخصية الضيقة والنتنة، لهذا كلّه فإن الحراك الشعبي ينتظر بفارغ الصبر اعادة الولاية العامة في ادارة شؤون الدولة لمجلس الوزراء وان نغادر المفاهيم والتخوفات التي حاول زرعها البعض باعتبارها قضية مساس برموز النظام.
ويرى الشارع أيضاً أنّ الأردن بأمسّ الحاجة من أيّ وقت مضى لخلوة وطنية تعتمد الشفافية والصدق ومصلحة الوطن وبعيداً عن الضجيج الاعلامي لأن مستقبل الدولة بات خطير جداً، وأن نغادر سياسة الاقصاء والتهميش والتخوين التي ألجمت للأسف رجال الدولة والذين أصبح همهم الأوحد أن يحافظوا على كرامتهم بعدم الوقوف بوجه الفساد ورموزه خوفاً من الاساليب المتبعة في المساس بهم وبسمعتهم تحت ذرائع ومسميات غير صحيحة.
الأمر الأهم وهذ يتطلب السرعة القصوى في معالجته وهو مغادرة التضييق على الحريات التي أصبحت للأسف سمة المرحلة، فالرأي الآخر ممنوع بكل أشكاله سواء كان على شكل نصحٍ أو معارضة وطنية أو مناكفة كيدية.
ونعود للسؤال الأهم، إلى أين يذهب الرزاز وحكومة الأصدقاء؟، وهل تعيش أوقاتاً صعبة وسط صراع طبقة الليبراليين والمحافظين؟.
الإجابة على هذا السؤال هي أن كافة المؤشرات تؤكد ازدياد أزمة الحكومة تعقيداً، ويبدو أننا أمام عاصفة داخلية بدأت تلوح في الأفق حيث أن التصعيد السياسي والاقتصادي بلغ بغضب رجال الاعمال والفقراء ذروته، وأن هناك جبهة حرب غير معلنة وجولة من الصراع تجددت بين طبقة الديجتل والمحافظين، والتي بدأت منذ عام 2004 تقريباً واستمرت حتى الآن.