بشأن التواطؤ الروسي على مصياف السورية

إن التصدّي للغارات الإسرائيلية بحاجة إلى تزويد سوريا بمنظومات دفاع جوي من طراز أس-400 الأكثر تطوّراً ، فإن السؤال الذي يطرح نفسه لماذا يتم تزويد دولة مثل الهند بهذه المنظومات وقريباً تركيا ويتمّ حَجْب هذه المنظومة عن دولة حليفة وعلى تماسٍ مباشرٍ بالأمن القومي الروسي مثل سوريا؟!

الغارة التي شنّها الطيران الحربي الإسرائيلي فجر اليوم على موقع عسكري سوري في بلدة مصياف في محافظة حماة وأسفرت حسب وكالة سانا الرسمية عن تدمير عدّة مبانٍ وإصابة ثلاثة جنود بجراح ، جاءت بعد ثمانية أيام من زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأخيرة لموسكو ، وبعد أربعة أيام فقط من انتخابات الكنيست الإسرائيلي التي فاز بها الليكود ب 36 مقعداً ما يعطيه فرصة أفضل لرئاسة الحكومة الإسرائيلية المقبلة.
وإذا كانت هذه الغارة وهي الخامسة منذ قيام الروس بتزويد سوريا بمنظومة صواريخ ال أس 300 وما قيل عن تفعيلها مطلع آذار مارس الماضي ، قد تمّت من دون أن تنطلق تلك الصواريخ تجاه الطائرات الإسرائيلية فإن هنالك أربعة احتمالات لذلك :
الأول :-أن يكون قرار استخدام صواريخ تلك المنظومة بيد الروس، وهذه مصيبة،
الثاني:- أن يكون قرار استخدامها بيد الجيش العربي السوري ولكن لا يوجد بعد قرار سياسي باستخدامها (مُراعاة للحليف الروسي) فعندها ستكون المصيبة أعظم.
الثالث:-أن تكون هنالك خشية من تدمير تلك المنظومة في حال تشغيلها بواسطة الطائرات الإسرائيلية من طراز أف-35 التي لا يرصدها الرادار ، الأمر الذي يتطلّب تزويد الجيش السوري بمنظومات أس-400 التي بمقدورها إسقاط هذا النوع من الطائرات.
الرابع: ألا تكون روسيا قد زوّدت سوريا بمنظومات الأس-300 مُطلقاً كما يقول الصحافي الفلسطيني البارز حسين السويطي..
وإذا كان الاحتمال الأول هو الصحيح فإنني أقولها صراحة بأن هذا الموقف يؤكّد بأن تزويد سوريا بمنظومات ال أس-300 كان لذرّ الرماد في العيون ، وبأن العلاقات الإسرائيلية -الروسية قد تجاوزت مرحلة التنسيق لمنع التصادُم الجوي كما كان يُقال سابقاً إلى مرحلة التحالف والشراكة الاستراتيجية ، الأمر الذي يؤكّد بأن كل ما قاله نتنياهو عن توصّله إلى اتفاقات مع بوتين تتيح لإسرائيل حرية العمل في سوريا ، وعن وجود تنسيق مُشتَرك بين الطرفين لضرب (التموضع الإيراني) ، ومؤخراً ما قالته مصادر روسية عن أنه سيكون لإسرائيل دور في التسوية السياسية للأزمة السورية كان صحيحاً.
وفي هذا الإطار يمكن القول بأن الهدية الانتخابية التي قدّمها بوتين لنتنياهو قبل أربعة أيام من الانتخابات الأخيرة ، والتي تمثّلت بتسليم رفات الجندي الإسرائيلي زخاريا بلوم الذي قُتِل في معركة السلطان يعقوب عام 1982 من القرن الماضي كان لها أكبر الأثر بنجاحه في تلك الانتخابات لأنها أظهرته أمام الإسرائيليين بمظهر القائد الذي لا ينسى جنوده.
أما إذا كان الاحتمال الثاني، هو الصحيح، بمعنى إنه لا يوجد قرار سياسي سوري باستخدام تلك المنظومة لإسقاط الطائرات الإسرائيلية المُغيرة، وإن تعذّر ذلك فالرد على تلك الاعتداءات باستخدام صواريخ أرض -أرض لقصف أهداف إسرائيلية كما هدَّدت سوريا سابقاً على قاعدة الرد بالمثل مطار بمطار وموقع بموقع وهكذا دواليك
أما إذا كان الاحتمال الثالث هو الصحيح أي إن التصدّي للغارات الإسرائيلية بحاجة إلى تزويد سوريا بمنظومات دفاع جوي من طراز أس-400 الأكثر تطوّراً ، فإن السؤال الذي يطرح نفسه لماذا يتم تزويد دولة مثل الهند بهذه المنظومات وقريباً تركيا ويتمّ حَجْب هذه المنظومة عن دولة حليفة وعلى تماسٍ مباشرٍ بالأمن القومي الروسي مثل سوريا؟!
ولكي أضع النقاط على الحروف أكثر فإنه لا بد لأي مُحلّل سياسي موضوعي يسعى لفَهْم حيثيات ما يجري أن يرى الاعتبارات الهامة التالية:-
أولاً: إن روسيا تسعى لإنهاء الانفراد والتفرّد الأميركي بقيادة العالم من خلال صيغة عالم القطب الواحد وبناء عالم مُتعدّد الأقطاب على أنقاضه ، ولذلك فقد تدخّلت عسكرياً في سوريا وأرسلت الأس-300 إلى فنزويلا مع خبراء لتشغيلها ، وأحبطت مع الصين تقريباً مؤامرات واشنطن لإسقاط الثورة البوليفارية، وبالتالي فإن مُغازلة بوتين لنتنياهو تتنافى مع المصالح القومية الروسية ، ولا يمكن فَهْمها إلا في إطار وجود لوبي صهيوني قوي في روسيا من ناحية ، وفي إطار مسعى روسي لاستخدام نتنياهو بوابة عبور لتخفيف الحصار والضغوط الأميركية على روسيا وتحديداً بسبب قضيّتي القرم وأوكرانيا.
ثانياً: إن إسرائيل ورغم تراجع دورها الوظيفي في المنطقة بسبب تآكل قوّة الردع التي كانت تتمتّع بها ، وتراجع مقدرتها على شنّ الحروب الخاطفة بسبب تنامي قوّة محور المقاومة ، إلا أن هيمنة الرأسمال الصهيوني في العالم على اقتصادات الدول الكبرى وتحديداً في أميركا والغرب ما زال يجعلها محمية بإرادة وقوّة قوى الاستكبار.
ثالثاً : أن تكون سوريا ومعها محور المقاومة لديهم قراءة سياسية وعسكرية وربما معلومات من الروس بأن أيّ رد عسكري على إسرائيل من قِبَل المحور ومهما كان محدوداً في الزمان والمكان ، يمكن أن يتدحرج إلى حربٍ شاملةٍ لا ينبغي خوضها قبل القضاء على ما تبقّى من مجموعات إرهابية في إدلب وريف حماة ، وهزيمة المشروع الانفصالي الكردي وجلاء القوات الأميركية من شرق الفرات وقاعدة التنف
رابعاً: أن تكون تعقيدات الوضع في سوريا وصعوبة التحرّك الروسي لتطبيع الوضع فيها بسبب تداخُل مصالح مجموعة كبيرة من الأطراف في الأزمة السورية ، ومن ضمنها إضافة إلى سوريا إيران وبقية أطراف محور المقاومة وإسرائيل وتركيا والولايات المتحدة الأميركية وأطراف اقليمية أخرى هي التي دفعت الروس لانتهاج سياسات واتّخاذ مواقف مُهادِنة لنتنياهو هي بالنسبة لنا مرفوضة وفيها إهانة لمشاعرنا القومية وغير مقبولة من حليف.
خامساً: : عدم استيعاب بعض العرب لعدّة مسائل تتعلّق بروسيا وهي أن روسيا ليست الاتحاد السوفياتي السابق ، وبالتالي فإن سياستها الخارجية لم تعد تنظّمها اعتبارات مبدئية وإنما اعتبارات المصالح الخاضعة لرؤية يتعدّى نطاقها الشرق الأوسط إلى العالم أجمع .
سادساً: إن التحالف بين دولتين أو مجموعة من الدول ليس بالضرورة أن يعني تطابقاً كاملاً وتماثلاً في السياسات والتكتيكات النهائية، وهذا ينطبق على التحالف بين سوريا وروسيا.
سابعاً: ورغم كل ما تقدّم فإن لا شيء في اعتقادي يُبرّر تهافُت بوتين على إرضاء واسترضاء نتنياهو إلى حد تحويل مهمة الجيش الروسي لنبش القبور بحثاً عن أشلاء جنود إسرائيليين قتلوا وهم يعتدون على الفلسطينيين والعرب من أجل تحقيق أهداف المشروع الصهيوني الاستيطاني الكولنيالي الاحتلالي .
فمهنة حفّار قبور عند بوتين لا تليق بزعيم دولة عظمى ولها تاريخ حافل مثل روسيا.
وفي الختام فإنه ورغم ميوعة الموقف الروسي إزاء إسرائيل وما تقوم به في سوريا ، فإن ما يجب أن ندركه نحن العرب بأن أيّ حليف لا يمكن أن يحارب في معاركنا نيابة عنا، فإذا لم نحارب نحن ونعتمد على قوّتنا في الأساس فإننا لن ننتصر على عدونا. العامل الذاتي أولاً.