مستقبل الانتقال في الجزائر
لا تُخفى على الجميع، حدّة الصخب السياسي التي شهدتها الساحة السياسية منذ الانتفاضة الشعبية في 22 شباط/فبراير الفارط، للمطالبة بتحوّلات سياسية، اقتصادية، اجتماعية حقيقية، بعيداً عن سياسة النظام السلطوي التسلّطي الشمولي الذي كان ضحية فشله المواطن الجزائري ودفع ثمن إخفاقاته.
إن ما مرّت به الجزائر خلال عقدين من الزمن،كشف عن حال شتات الطبقة السياسية وجعل الممارسة السياسية تشوبها شوائب عدّة، ميول الفاعل السياسي إلى الفردانية ورفضه التعدّدية من خلال اعتماد نظام الحزب الواحد،بالإضافة إلى غياب الاحترافية في العمل السياسي بالرغم من تطوّر الاستراتيجيات والأساليب التي يستوجبها مجال التواصل السياسي،إلا أن عدم الالتزام بضوابط أخلاقية مقبولة اجتماعياً،جعل الرجل السياسي محل انتقاد لاذع، وكان بمثابة حلقة وصل بين مختلف الحركات الاحتجاجية التي عايشتها مختلف الفئات المجتمعية التي تؤسّس للمشهد السياسي في الجزائر.
لا تُخفى على الجميع، حدّة الصخب السياسي التي شهدتها الساحة السياسية منذ الانتفاضة الشعبية في 22 شباط/فبراير الفارط، للمطالبة بتحوّلات سياسية، اقتصادية، اجتماعية حقيقية، بعيداً عن سياسة النظام السلطوي التسلّطي الشمولي الذي كان ضحية فشله المواطن الجزائري ودفع ثمن إخفاقاته.
ضعف النظام السياسي الذي كان قائماً وهشاشة مؤسّسات الدولة والتناقض الصريح بين مضامين النصوص الدستورية وتطبيقها الفعلي في الواقع ،كلها عوامل أحدثت فجوة كبيرة بين صنّاع القرار والقاعدة الشعبية تولّدت عنه أزمة ثقة بين الحاكم والمحكوم،أدّت إلى اشتداد الصراع السياسي وفتحت الأبواب على مصاريعها لسيناريوهات غير مجنّدة في سياق حاجة البلاد إلى حفظ الاستقرار لاستكمال طريق محفوف بالمهاترات والتجاذبات السياسية التي لا يمكن من خلالها تحقيق استحقاقات تنافسية نزيهة للمرور نحو الانتقال الديمقراطي ، وتسمح بإجراء انتخابات مقرّرة هذا العام،بعد أن أسدلت الستارة على أول فصل من المشهد السياسي الجزائري،بعدما أعلن الرئىيس المنتهية ولايته السيّد عبد العزيز بوتفليقة استقالته في الثاني من إبريل الجاري،كحل أخير بعد فشل كل المناورات السياسية والمحاولات الجريئة للسلطة التي تخبّطت في أزمة ضيق تنفّس سياسي،وعرفت في هرمها حالة من الفوضى نتيجة رفض الشعب لكل مقترحات الحكومة التي كانت في أغبلها قائمة على التلاعب،الاستغباء،والاستخفاف بعقول الجزائريين،ما أدّى إلى ارتفاع مشاعر الاستفزاز لديهم ارتفع معها سقف المطالب التي تتمثل في تغييب كل وجوه ورموز النظام القديم.
كما عمد الجزائريون إلى التعبير السلمي والذي كان تعبيراً سياسياً أكثر منه شعبياً وطالبوا بالإقرار بمبدأ التداول على السلطة وترك المجال للشباب الذين سئموا في كل مرة من تجريب السلطة لدساتير لا تتصل بالواقع الفعلي للدولة،ودعوا إلى إعادة البناء الدستوري بوجوهٍ جديدةٍ وعقولٍ فتيةٍ مع مراعاة وضع نصوصه حيّز التنفيذ الفعلي.
بعد أن استطاع الحراك الشعبي أن ينتصر على كل أساليب السلطة من مغالبة،مكابرة،تخويف،تخوين وتعنّت من خلال تمسّكه في لحظة تاريخية للتحوّل نحو الديمقراطية بمطالب مرتبطة بقِيَم غير مادية والتي بها يمكن تلبية الحاجيات المادية من تشغيل،صحة،تعليم وبنى تحتية.
إن مسالة الانتقال الديمقراطي أصبحت قضية حتمية بعدما بثّ النظام السياسي السابق شعور الإحباط المجتمعي الذي لازمَ الحزائريين عشرين سنة كاملة.
كما أن هذه الثورة الفكرية كانت خطوة ضرورية يتطلّبها المشهد الديمقراطي الوطني الذي ستظل أركانه وفصوله منقوصة،ولن تكتمل إلا بالتحلّي بالإرادة الشعبية والنفس الطويل لنيل الحريات،وبالبحث عن مزيد من الروافد للواقع المتأزم وخلق تصوّرات ناضجة تعمل على احتضان واحتواء الخيار الديمقراطي.
فالتحوّل الديمقراطي عبارة عن كيان مجتمعي قائم لا يمكن إنجازه إلا بالإرادة الوطنية التي تكون وليدة الإنسان الباحِث عن التغيير الرافِض لكل المؤامرات التي تُحاك لإحباط هذه المرحلة الانتقالية في تاريخ الجزائر.
إن الشعب الجزائري أبان عن وعيه السياسي تُرجِم في مواقفه الثابتة وفي تحلّيه بالسلمية في كل وقفاته الاحتجاجية الرافضة للاستبداد والمعادية للدكتاتورية.
هذا الوعي النابع من مجتمع فتّي مُتعطّش للمزج بين قِيَم التحوّل والتغيير الاجتماعي، فمشروع توليد وتوريث الديمقراطية يتطلّب استعداداً لكسر حاجز الخوف والخنوع من أجهزة التسلّط، وهذا ما تمّ فعلاً،ومحاربة كل أشكال الاحتكار السياسي لبناء دولة وطنية، مستقلّة،مُنسجمة مع الإرادة المجتمعية ترفض ممارسة الديمقراطية المُعلّبة.