جماعة العدل والإحسان المغربية

ألا يمكن أن نترك الشعب ليتعرّف مباشرة على أيّ تنظيم مادام قانونياً سلمياً ينبذ العنف ويحارب التطرّف ويدعو للوسطية والتعاون والتسامُح والحوار، وليقرّر الناس لوحدهم، ولأنهم راشدون بما فيه الكفاية!.

جماعة العدل والإحسان جماعة إسلامية ببرنامج يشمل الدعوة والدولة

جماعة العدل والإحسان تمايزت عن السادة الصوفية. ونتابع النقاش وعرض تصوّر الجماعة في أفق محاورة ونقاش كل البدائل والتصوّرات والمُقترحات الموجودة في ساحتنا الوطنية.

أولاً: إن تركيزنا على جماعة العدل والإحسان بالأساس يعود لمنعها، والتضييق على أفكارها وحقها في الفضاء العام والإعلام. تنظيم كلما حاول تأسيس جريدة ورقية كأيّ مكوّن دَعوي أو سياسي في بلدنا الحبيب، ورغم قانونيته وعشرات الأحكام القضائية في حقّه التي أكّدت مشروعيّته، إلا ومنعت تلك الصحيفة وأغلقت (مجلة الجماعة، رسالة الفتوة، الخطاب، الصبح، العدل والإحسان...) رغم أن الجماعة سلكت وتسلك كل السُبل والمساطر القانونية. فيتم تهديد المطابع، بتعليمات شفهية من الأجهزة -كي لا يترك أصحابها أثراً قانونياً وراءهم-  فيستجيب الناس لتلك الضغوطات (رغم وجود عقد) لظروف عملهم في سياق مخزنٍ حسب تصريحات قيادة الجماعة. والمحصّلة: لا وجود لمنابر ورقية عمومية للجماعة. وتمنع كذلك من المرور في القنوات العمومية والخاصة والإذاعات الوطنية حتى الخاصة منها (بتعليمات) ضد في القانون. لهذا فلا عجب أن تظلم مرات، ولا تتاح لها فرص ومساحات إعلامية كافية، وعمومية أمام المغاربة لتوضيح آرائها وأفكارها السلمية التي برهنت عليها طوال تواجدها وعملها. ثم يزيدها الناس كذباً وتحاملاً وانتقاداً، فهذا مما لا يليق وليس من شِيَم العقلاء أبداً.

ألا يمكن أن نترك الشعب ليتعرّف مباشرة على أيّ تنظيم مادام قانونياً سلمياً ينبذ العنف ويحارب التطرّف ويدعو للوسطية والتعاون والتسامُح والحوار، وليقرّر الناس لوحدهم، ولأنهم راشدون بما فيه الكفاية!.

أو لازال المواطن بالمنطق الاستبدادي قاصراً، بما يعنيه هذا، من احتقارٍ كبير لثلاثين مليون مغربي. ثم ألا نطرح السؤال والجماعة أكبر تنظيم إسلامي: أيكون كل من اختار هذا المشروع المجتمعي ساذجاً لا يفهم ولا يعلم؟

ثانياً: إنه لابد لمَن يتعرّض لتصوّر جماعة العدل والإحسان ولرجالاتها، ويناقش أفكارها ويحاورها أو يتواصل معها، أن يقف ويبحث ويدقّق ويحقّق في أدبياتها ومرجعياتها بشكل علمي وموضوعي ولزاماً عليه أن يعود للأصول "وفقاً للمنهج العلمي المُتعارَف عليه في أي تناول أو بحث دراسي أو جامعي أو إعلامي لأية قضية". حتى إذا استشكل عليه أمر أو وصلته معلومة ما ولم يتأكد"وهذا واجب كل الإعلاميين والمتعارف عليه في العمل الصحفي"، فما عليه إلا التوجه لمكتب ناطقها الرسمي المسؤول عن مواقفها الرسمية، وبقية قياداتها، بحثاً عن المعلومة مباشرة، والخالية من الوشاية الكاذبة، أو المصادر المجهولة، والأحكام المسبقة والقنوات المشوّهة المشوبة بالشطَط، أو التحليلات المُتسرّعة المُتشنّجة أو المُتحاملة المُشيطنة.

ثالثاً: نعلم جميعاً أنها لازالت في ظل الحصار تعاني وتُضطهد وتُقزم أنشطتها وتُشيطن وتُشنّ عليها الحملات، آخرها تشميع بيوت أعضائها بعدد من المدن، واعتقال عضوها عمر محب بتهم مُفبركة، وسجن عضو في مكناس بعدما رقد الملف 13 سنة برفوف المحكمة، ثم حرّك فجأة ليزجّ به في السجن بتهمة الانتماء للجماعة... ومن الطبيعي جداً أن تمارس الجهة الرسمية وهي تسيير الشأن العام وفاشلة فيه، ولا تكاد تجد حلولاً للمغاربة، أن تمارس في حق كل المطالبين بحقوق المغاربة، كل أنواع الترهيب والترغيب لتطويع الناس وتخويفهم للعدول عن أيّ تغيير في الأوضاع. ورأينا ما جرى لنشطاء الريف  وزاكورة وجرادة، والآن الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد، وآخرون. فصيل إسلامي سلمي معارض بمواقفه المخالفة والمُنتقدة للنسَق الرسمي، يرفض الانخراط في لعبة النظام السياسي بالشروط الحالية غير الديمقراطية، ويعطي رأيه السلمي في ما يقع، ويقترح ويستنكر الفساد والاستبداد.

فنحن إذن - وأعني الحملات الرسمية للدولة - أمام جو عام مأزوم تهاجم وتطلق فيه كل المحاولات لترويض الآراء المعارضة وتطويعها وترويضها بما فيها الجماعة لتدجينها في ما بعد وقتل معانيها ودفعها للتنازل تلو الآخر، أو على الأقل شق صفوفها والتشكيك في نواياها.  كما كان الدَيدن إذا درسنا تاريخ المخزن مع الحركات المجتمعية التغييرية، التي حملت شعارات كبيرة وتمّ سلّها أو شقّها بخبث وذكاء وجرّ أصحابها إلى دار المخزن صاغرين. فمن الخفّة والتسرّع الجاهز ألا يستحضر القارئ كل هذا، وأن يصدّق كل ما يُكتب و يروّج. وعليه أيضاً أن يضع الأمور في مكانها الصحيح ويرى الصورة كاملة وألا يطلق الكلام على عواهنه. وإذا استحضرنا المثال الأخير لما فعلته جون أفريك المعروفة بالكتابة تحت الطلب لصاحبها، وعلاقته بالأنظمة الديكتاتورية الإفريقية بمقابل. وهو ما أكّده عدد من الصحافيين، وفيهم سعيد السالمي، وعلي لمرابط، وسليمان الريسوني في افتتاحيته "جون أفليك" في جريدة أخبار اليوم، نقلاً عن منابر فرنسية وأجنبية. يكون قد اتضح جزء من الصورة !

ويكفي أن نشير إلى أنه من خلال التتبّع، يتأكّد أن كثيراً مما ينشر ليس فقط عن هذا المكوّن بل في كثير من المواضيع والأخبار، يحتاج الكثير منها إلى التدقيق والتحقيق والتمحيص والافتحاص، ولابد للمنصف الصادق وللباحث والصحافي "بقليل من المروءة والفضيلة والمصداقية " وهو يتناول أي موضوع أن يتحرّى. أما ونحن أمام "العدل والإحسان" المضطهدة، سواء اختلفنا أو اتفقنا مع مقترحاتها وتصوّراتها للواقع وتغييره، مطالبون أكثر، بل واجب علينا إعلامياً أن نرصد ونتابع بأمانة لكي لا نزيدها ظلماً، وهذا كذلك مع كل المواقف التي نتابعها بإنصاف، وننقل عنها بأمانة، لا نحرّف الكلم عن مواضعه، و نميّز بين الرأي والتحليل والخبر.

-إذا عرفنا هذا كله، فما حقيقة "الأطماع" التي تطوي عليها جماعة العدل والإحسان؟

يتضح من عنوان الجماعة، أنه يتكوّن من مطلبين رئيسيين كبيرين. "إننا نستخير إلى الله العلي القدير، إخوتي وأخواتي، أن نتّخذ لأنفسنا قضيتي العدل والإحسان إسما وشعاراً يلخّص برنامجنا بعدما بسط المنهاج مبادئ الإسلام ومقتضيات الإيمان والإحسان"[1]، برنامجنا "التربية ثم التربية ثم التربية..."[2]، "إن سُئلتم مَن أنتم؟ فقولوا: نحن جماعة تتوب إلى الله وتدعو الناس إلى التوبة»[3].

وعليه، فجماعة العدل والإحسان جماعة إسلامية ببرنامج يشمل الدعوة والدولة، هي أولاً ووسطاً وآخراً دعوة إلى الله، تتوب إليه وتدعو الناس أن تتوب إليه. لا تحتكر فَهْم الإسلام أو تمثّله لوحدها أو أنها جماعة المسلمين لوحدها، بل تدعو الجميع ليتنافسوا في الخير، ولينخرطوا ويتمثلوا الإسلام، بل ليرتقوا إلى إيمان وإحسان إن وجدوا لذلك سبيلاً "كن أنت عمر وقد السفينة"[4]، وليَسْعوا أن يكونوا أفضل، وينهضوا لإقامة العدل في الأرض بمعناه الواسع أي كل ما يدخل ضمن مفهوم الحكم الراشد الذي تصبح فيه الأمّة حرّة تختار وتقرّر–الديمقراطي في آلياته بالاصطلاح الحديث- لا تزعم أنها طهرانية وتدّعي الملائكية والعصمة، بل اجتهاد بشري مؤسّس وعلمي وأصيل بمنطلقات شرعية، مقترح على الناس كرأي وسط العديد من الآراء الوطنية والمقترحات، فيما يمكن أن يخرج بلدنا من ورطته برؤى وحلول وأفكار، صِيغَ انطلاقاً من رصد للواقع المركّب، بما أنجزته ولازالت مؤسّسات الدائرة السياسية "مؤسّسة تابعة للجماعة تتصدّى للشأن السياسي"، في كل المجالات. ويمكن العودة إلى تقارير الدائرة السياسية السنوية المعروضة[5] وهي تعبّر عن مواقف وآراء متاحة مفتوحة للتداول والنقاش والحوار ومطروحة لعموم الناس وللأمّة. والجماعة برهنت في أكثر من مرة أنها مستعدّة للتوضيح والتواصل والحوار وأنها تمتلك برنامجاً مفصلاً لم يحن الوقت لعرضه، ومنفتحة لسماع الآخر من خلال الأبواب المفتوحة أو محطات التواصل التي دشنتها طوال مناسبات تيسّر للكثيرين الحضور فيها، بمَن فيهم المختلفون مع الجماعة من أقصى اليسار واليمين. نحن إذن أمام عمل علني مُسالم هدفاه واضحان.

في أحد الأشرطة "المسجّلة سنة 2001" الموجودة في اليوتوب، يحكي الأستاذ منير الركراكي (أفرّغ أهم ما جاء فيه وبما يفيدنا في هذه المقالة بالفصحى):"كنا في اجتماع مُصغّر، سأل سي عبد الواحد "رئيس الدائرة السياسية حالياً" الأستاذ عبد السلام ياسين عن تهممات تعتلج.. فكان جوابه رحمه الله: استمروا على عملكم الجهادي التنظيمي الدَعوي، فهذا ما يميّزنا عن مَن هادن وداهن وركن وممّن يجعلنا ممّن عدل وأحسن، ولابد للموفق أن ينام باكراً ويستيقظ باكراً ويبكي على مولاه، ولابد أن يوثق صلته برسول الله عليه الصلاة والسلام، بالإكثار من الصلاة والسلام عليه، والعهد بيننا لا إله إلا الله، فهي المظهر لثمرة الصحبة وبركة الأتباع...فقال السيّد عبد الواحد: أهي وصية مودع؟ (وكل ذلك وهو يبكي في أجواء كلها بكاء حسب شهادة الأستاذ منير الركراكي عضو مجلس إرشاد الجماعة). قال الأستاذ عبد السلام ياسين: قرب الأجل لا يقاس بالساعات والدقائق، والأيام والسنوات، ولكن بمدى شوق العبد لمولاه، وأنا اشتقت إلى ربي". ثم يؤكد الأستاذ منير الركراكي: فبكينا...ثم قال الأستاذ عبد السلام ياسين: حذار أن يغرف أحدكم غرفة بيمينه ثم يستقل عن إخوانه، ثم يقول أنا "التحذير الدائم من الأنانية والانعزال عن جماعة المومنين". يكون ممن نال بعض الفضل، وحرم الفضل كله...إذا كنتم على أتقى رجل واحد "المطلوب"..ثم أورد قصة بنعجيبة في ترويض الأفاعي "النفوس" حسب ما أورده دائماً الأستاذ منير الركراكي...ثم تابع:"اِحملها على ما تكره، وعنفها في ذات الله، وافطمها عن مألوفاتها وعاداتها، وإلا فلا حظ، ولا كرامة، بل خزي وندامة في الدنيا ويوم القيامة...وليبلغ الشاهد الغائب، اللهم إني قد بلغت!

وحينما زار الأستاذ عبد السلام ياسين إخوته في مجلس الإرشاد بالسجن، فسألهم عن من منهم حفظ القرآن كاملاً، فحمل الأستاذ عبد الواحد متوكل "رئيس الدائرة السياسية حالياً وعضو مجلس الإرشاد" يده، فما كان منه إلا أن نهض وقبّل رأسه!

وفي انتقاله للآخرة، تحكي ابنته مريم والتي خصّها بوصية جامعة، ومن خلالها الأسرة والجميع، بلزوم جماعة العدل والإحسان، وهو ما نفذته الأسرة بحذافيره.