أبو عرب في ذكراه الخامسة
عرفته مخيمات شعبنا الفلسطيني في سوريا ولبنان والأردن، وعرفته كل الجماهير الفلسطينية من أرضنا المحتلة إلى الشتات العالمي الممتد في كل المعمورة. كان صوت الفدائي الثائر وصوت المخيم المُنتفَض، وصوت الجماهير التي لا تقبل بغير كامل تراب فلسطين.
في الذكرى الخامسة لرحيل فنان الثورة والشعب والمخيمات إبراهيم محمّد صالح - أبو عرب - المولود سنة 1931 في قرية الشجرة الفلسطينية المحتلة، القرية الواقعة على الطريق بين مدينتي طبريا والناصرة، القرية التي استشهد على ثراها ودفاعاً عنها شاعر الثوار الفلسطينيين عبد الرحيم محمود في المواجهات مع العصابات الصهيونية التي احتلت فلسطين سنة 1948.
هي نفس القرية التي أنجبت والد أبو عرب وهو أيضاً مُنشد وشاعر ومغني وشهيد في سبيل فلسطين حرّة.
الشجرة إسم على مُسمّى، فهي ضاربة الجذور عميقاً في أرض فلسطين.
نستعيد اليوم ذكرى رحيل عربي فلسطيني أصيل، وشاعر ثورة وشعب، مثلما كان الراحل الكبير أبو عرب. نُعيد إنشاد أغانيه الشعبية، الثورية والوطنية كي نشحن روحنا بنسيم الثورة المستمرة، بشحنات من الأمل، ببروز جيل فلسطيني جديد، متسلّح بكفاح الأجداد والآباء، جيل عروبي، قومي، وطني، فدائي، يحمل فلسطين وقضيتها في كل مكان وزمان، تماماً كما حملها أبو عرب وكل شهداء ثقافة المقاومة والعودة والتحرير.
أبو عرب إبن الأرض وإبن المخيمات، الذي لم يتنازل عن شبرٍ من أرض فلسطين الكاملة، تلك الأرض التي قدّم على مذبح تحريرها فلذة كبده في الثمانينات من القرن الفائت. والتي استشهد والده في سبيل حريتها وعروبتها. هي الأرض التي قدّم فناننا الراحل نفسه وروحه وحياته لأجلها. فكان صوت الفقراء والكادحين والثائرين والعائدين والصابرين الصامدين في مخيماتهم، يدافعون عن الثورة ونهج المقاومة والتحرير، يرفعون شعار الفداء والعودة والتحرير بكل الوسائل وعلى رأسها الكفاح المسلح.
عرفته مخيمات شعبنا الفلسطيني في سوريا ولبنان والأردن، وعرفته كل الجماهير الفلسطينية من أرضنا المحتلة إلى الشتات العالمي الممتد في كل المعمورة. كان صوت الفدائي الثائر وصوت المخيم المُنتفَض، وصوت الجماهير التي لا تقبل بغير كامل تراب فلسطين. كان يُنشد لها أغاني الفلاحين والثوّار، أغاني أهلنا وموروثنا الشعبي، أناشيد شعبنا ومواوليه وحكاياته وسيرة ثواره وشهدائه.
أنشد للعمليات الفدائية البطولية وللأبطال الذين نفّذوها شهداء وأسرى وجرحى ومحرّرين في ما بعد، كما نشيده للبطل الأسير ( الشهيد في ما بعد ) سمير القنطار ورفاقه أبطال عملية نهاريا سنة 1979.
أنشد للمقاومة الحيّة التي لا تموت، للمخيمات التي قاومت وقدّمت آلاف الشهداء والجرحى والمُهجّرين واللاجئين من أجل حماية الثورة وديمومتها وصون بندقيتها المُقاتلة.
أنشد كل ذلك وهو شديد الإيمان بحتميّة الانتصار والتحرير والعودة وزوال كيان الاحتلال الصهيوني عن كامل أرض فلسطين.
كان أبو عرب فدائياً، مثقفاً، فلسطينياً كحد السيف... وكان مقاوماً آمن بالمقاومة وفدائياً حمل عنوان الصراع على كتفه، وحمل فلسطين في صوته، وأغانيه وأناشيده الوطنية، تلك التي عرفناها صغاراً في عزّ عنفوان الثورة وديمومة نضالها. وعرفناها وأنشدناها في زمن الفدائي الفلسطيني ناكِر الذات، الفدائي الذي خرج من الينابيع الثورية إلى ساحات المواجهة في كل الدنيا.
قرية الشجرة التي أنجبت شاعرنا أبو عرب أنجبت أيضاً الفنان الفلسطيني الرائد والخالد ناجي العلي. وهو بالمناسبة قريب لأبي عرب.فبعد اغتيال الأخير في لندن سنة 1987 قام أبو عرب بتغيير إسم فرقته إلى فرقة الشهيد ناجي العلي للفنون الشعبية الفلسطينية.
تعرّفت على أبي عرب للمرة الأولى في بيروت وكان ذلك سنة 1980 عندما جاء زائراً إلى مقر الرفيق الراحل طلعت يعقوب الأمين العام لجبهة التحرير الفلسطينية، حيث تناولنا الغذاء معه في مكتب الشهيد طلعت، أذكر يومها أنه أنشد عدداً قليلاً من الأغاني والمواويل، ومنها أغنية كان يحبها كثيراً الرفيق طلعت يعقوب. ومن كلمات تلك الأغنية :
"يا كرمي تينك ذبل
بعدو على أمّه
تيني ذبل ما قبل
يد العدا تلمّه ..."
حينما التقيت قبل سنوات بأبي عرب في حفل في أوسلو ذكّرته بذلك اللقاء البيروتي، الذي لا يمكن نسيانه، وبتلك الأغنية ورجوته أن يغنيها لروح طلعت يعقوب. بالفعل لبّى فنان فلسطين وشعبها طلبي ذلك في تلك الليلة الأوسلوية الفلسطينية بامتياز.
رحلَ أبو عرب ولكنه ترك لنا أغانيه وأناشيده التي كبرنا وترعرعنا عليها فأحببناه وأحببناها وأحببنا فلسطين أكثر.
لروحه السلام ونحن على عهد الشجرة والصفصاف وصفورية وكل فلسطين يا أبا عرب.