أوروبا المُعادية لقضية الصحراء الغربية
تابع الشعب الصحراوي والعالم بأسره فضيحة مدوّية دشنّ بها الإتحاد الأوروبي السنة الجديدة، عقب مصادقة برلمانه على نصّ إتفاقية التجارة الحرّة التي وقّعتها مفوضية الاتحاد الأوروبي ونظام الإحتلال المغربي، ليشمل منطقة الصحراء الغربية الواقعة تحت إحتلال أجنبي وفقاً لقرار الجمعية العامة رقم (A/RES/35/37) المؤرّخ في العام 1978.
ومن دون أدنى إستشارة لصاحب السيادة الشعب الصحراوي عبر ممثله الشرعي والوحيد جبهة البوليساريو، وفقاً لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (A/RES/35/19) المؤرّخ في العام 1980، ما يعني أن هذا الإتفاق الذي مسّ من سيادة الشعب الصحراوي على موارده الطبيعية، يعدّ خرقاً للقانون الدولي من طرف المغرب والإتحاد الأوروبي، بل يتحمّل هذا الأخير مسؤولية أكبر نتيجة إنتهاك آخر للقانون الأوروبي الذي يلزم كل المؤسّسات الأوروبية، خاصة قرارات محكمة العدل الأوروبية (C-104/16 P) لسنة 2016 و (C-266/16) لسنة 2018، (التي أقرّت فيهما المحكمة أن لا سيادة للمغرب على الصحراء الغربية، ولا يحق لأوروبا إبرام أي إتفاق يشملهامن دون إستشارة الشعب الصحراوي)، هذا التصرّف اللا مسؤول من قبل الإتحاد الأوروبي بالإضافة لإنتهاكه للقانون الدولي والأوروبي، يشكل كذلك تأثيراً سلبياً على مساعي الأمم المتحدة والجهود التي يبذلها مبعوثها الشخصي إلى الصحراء الغربية من أجل التوصل إلى حل سلمي وسياسي يضمن للشعب الصحراوي حقه في تقرير المصير، وفقاً لمقاصد ومبادئ الهيئة الأممية.
بالعودة إلى فضيحة الاتحاد الأوروبي، لابدّ من الإشارة إلى أن مصادقة السلطة التشريعية للإتحاد، على نص القرار هذا، الذي مرّ بمراحل أثبت النيّة المسبقة للمؤسّسة الأوروبية في الإنقلاب على القانون الأوروبي، من خلال مجموعة من الخطوات إتخذت في هذا المسار، كان أولها إيفاد وفد عن لجنة التجارة الخارجية إلى المناطق المحتلة، قصد ما أسموه التواصل مع "الساكنة" حول مدى استفادتها من عائدات الإتفاقيات السابقة، هذا التصوّر مخالف تماماً لما جاء في الفقرة 106 من القرار الأول لمحكمة العدل الأوروبية رقم (C-104/16 P)، الذي أكد على ضرورة موافقة الشعب الصحراوي، وليس مدى إستفادة "ساكنة" الصحراء الغربية، التي تفوق نسبة المستوطنين فيها المواطنين الصحراويين، الذين يكفل لهم القانون الدولي حق السيادة على أرضهم ومواردها الطبيعية، هذا الخرق القانوني ينضاف إليه إستثناء جزء كبير من الشعب الصحراوي المتواجد في مخيمات للاجئين في تيندوف أقصى جنوب الجزائر من برنامج هذه الزيارة، يثبت بأن عملية التحايل هذه مقصودة لغاية في نفس طرفي هذه الجريمة المتكاملة الأركان، التي أختتمت بفضيحة مدوّية هزّت ما تبقّى من مصداقية هذه المؤسّسة الأوروبية، إثر مصادقة لجنة التجارة الخارجية على التقرير المشوّه وغير النزيه عن الزيارة، أعدته مقرّر اللجنة النائبة الفرنسية باتريشيا لولاند، التي أعلنت بساعات معدودة قبل التصويت، إستقالتها من اللجنة إثر الكشف وبالأدلّة عن تورّطها في "تضارب المصالح" بصفتها عضو مجلس إدارة منظمة أورو-ميد، التي تقود وتتزعّم اللوبي المغربي داخل الإتحاد الأوروبي.
كل هذه الفضائح لم تكف أوروبا أو تثنيها عن الإستمرار في هذا النهج اللاقانوني وغير الأخلاقي، بل واصلت الضغط على النواب بُغية التصويت على نص الاتفاق، في محاولة يائسة تقودها بلدان، مثل فرنسا (الداعم الأول للإحتلال المغربي)، وإسبانيا (صاحبة المسؤولية الأخلاقية والتاريخية من قضية الصحراء الغربية) هدفه أي هذا -الضغط- هو طمس حقيقة ووجود الشعب الصحراوي وممثله الشرعي والوحيد جبهة البوليساريو. هذا التصرّف يمكن وصفه بالإنتحار السياسي الذي أسقط القناع عن أوروبا، وإدعاء الديموقراطية وحقوق الإنسان، ليتّضح للعالم أن فكر البورجوازية المتوحّشة، لازال يقود سياسة وتصوّر غالبية الحكومات الأوروبية، وتسعى جاهدة وبكل الوسائل، بما فيها غير الشرعية إلى تحقيق أهدافها الإقتصادية، ولو تطلّب ذلك الدَوس على القانون الذي رسمته لنفسها، وأمن وإستقرار العالم، فما بالك بمعاناة الأقليات والشعوب المستضعفة.
هكذا إذن هي أوروبا "الجميلة المظهر" والقبيحة الجوهر، إختارت لنفسها كل الأوصاف القدحية، بسبب تاريخها الإستعماري السيّىء والإستمرار في تنمية بلدانها على حساب الموارد الطبيعية لإفريقيا، متجاهلة سيادة الشعوب وأحقيتها في أن تنعم بمواردها أولاً وتنمية بلدانها، لكن الحقد للقارة السمراء وإستصغار شعوبها جعل من أوروبا في أعين العالم مجرماً رغم أنها تسعى دائماً لإرتداء ثياب الضحية، -ضحية- لما تقول عنه تزايد نسبة المهاجرين الأفارقة على أراضيها، وتدّعي في ذلك بأنهم السبب الرئيس للأزمة الاقتصادية العالمية والإرهاب وغيره من السلوكيات المشينة، متناسية أن فكر البورجوازية المتوحّشة المترسّخ لدى حكومات جنوب أوروبا، هو السبب الرئيس في هجرة نسبة كبيرة من شعوب أفريقيا لأراضيها، قصد العيش في أوروبا، بعيداً عن التعاسة والفقر، رغم سوء المعاملة وظروف الإقامة الجد صعبة نتيجة القوانين المعقدة المتعلقة بالهجرة وتسوية وضعية المهاجرين.
بهذا إختتمت أوروبا فصلا من فصول فضائحها وعمليات السطو على موارد الآخرين، وزعماؤها يرون في المسألة نصراً مبيناً بعد حرب طاحنة صرفت فيها أموالاً طائلةً وجهداً كبيراً، في المقابل تسلّحت جبهة البوليساريو وأصدقاؤها بقوة القانون، هذا الأخير سيظل الفاصل بين الحق والباطل. وهو السلاح ذاته الذي سيرغم دول الإتحاد الأوروبي على الجلوس مكرهةً جنباً إلى جنب مع الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية دولة الشعب الصحراوي أسبوعاً بعد هذه الفضيح، في قمة الشراكة الأوروبية-الإفريقية، التي سيحتضنها مقر الإتحاد الأوروبي ببروكسيل. هذا الحضور سيشكل لا محالة إحراجاً كبيراً لبلدان جنوب أوروبا ويفسد عليها فرحة تمرير الإتفاق، قبل حتى أن يُحال على أنظار أعلى سلطة قضائية في أوروبا مُمثلة في محكمة العدل الأوروبية.
هذه مشاركة التي تحسب للدولة الصحراوية في أشغال قمة الشراكة الأوروبية-الأفريقية، بصفتها عضواً في الإتحاد الأفريقي، متسلحة بقوة القانون المسير لمؤسستها القارية، وفي هذا الوقت تحديداً، من شأنها أن تسقط آخر أوراق التوت الأوروبي، وتكشف حالة اسكيزوفرينيا التي أصيب بها بعض بلدان القارة العجوز بين رفض القبول والإعتراف بوجود الشعب الصحراوي وممثله الشرعي، والقبول بالجلوس جنب الجمهورية الصحراوية، هذا التناقض يعكس فشل أوروبا في التأثير أو الإنقلاب على القانون المؤسّس للإتحاد الإفريقي، وبالتالي فإن تواجد الدولة الصحراوية داخل مبنى مقر الإتحاد الأوروبي خلال القمة ليس بالأمر العادي، من حيث صفة التواجد والتوقيت، لأنه يشكل الصخرة التي تحطّم طموح وسياسة المصالح، للبلدان الداعمة للمغرب في فرض الأمر الواقع بالصحراء الغربية المحتلة والتأثير السلبي على العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة وجهود مبعوثها الشخصي.
ذلك الحضور والمشاركة، يراه الكثير من المتابعين لهذا الشأن، كرسالة واضحة إلى كل البلدان التي تعلّق أملها على أساليب بالية، مفادها أن لا شراكة مع الإتحاد الأفريقي من دون إحترام أعضائه ووجوده، وبأن قوة القانون هي مَن ستنتصر، ولن تضاهيها قوة المال، أو تقبل بأية حال أو تحت أية ذريعة للمساومة والإنصياع لأسلوب الضغط أو الإبتزاز كما هو معمول به للأسف داخل الاتحاد الأوروبي، ومن قِبَل بعض الأعضاء التابعين لسلطته التشريعية.