من العالم الواقعي.. إلى العالم الإفتراضي!
على الصعيد السياسي ساهمت وسائل التواصل الإجتماعي والتقنيات المعلوماتية الحديثة على بعض المنصّات الإلكترونية مثل الفيديوهات والفيسبوك والتويتر في الإطاحة بأغلب رؤساء الدول العربية في فترة ما يُسمّى بالربيع العربي.
إن العالم يشهد اليوم طفرة نوعية من المُتغيّرات الصاعِدة والواعِدة على مستوى تكنولوجيات المعلومات والإتصالات الرقمية. إذ لا مجال في عالمنا هذا لرسم الحدود بين الدول بحيث أصبح الجميع في عالم معولَم إلكترونياً وشبكة الإتصال تشمل الجميع بإتصالات في ثوانٍ معدودة وكأن الجميع في غرفة صغيرة. فمع بداية التسعينات بدأت أولى هذه العمليات الإتصالاتية الرقمية واستغلال الإنترنت كشبكة معلوماتية عالمية، إلى أن بلغت هذه التقنيات ذروة إبداعاتها لتخلق لنفسها عالماً جديداً شبيهاً بفضاء خيالي.
إنّ هذه التطوّرات في الإقتصاد الرقمي أصبحت تشمل مؤخراً العديد من المجالات والقطاعات الحيوية في الإقتصاديات الوطنية للدول، أو حتى علي مستوى الإقتصاد العالمي لتكون العمود الفقري للإقتصاد العصري. فهذه المُتغيّرات سمحت للعلماء والباحثين بتطوير أساليب عملهم ومعاملاتهم اليومية، بحيث شمل العالم الإفتراضي قطاع الصحة فأحدث بالنتيجة آخر صيحة وهي العمليات الجراحية الإلكترونية التي تُدار في قاعات عمليات تضمّ أطباء من مختلف دول العالم، وذلك عبر إتصالات بالأقمار الصناعية وبشبكة الإنترنت.
أمّا قطاع التعليم فهو يُعدّ من أبرز القطاعات التي استفادت بشكل كبير من العالم السيبراني خاصة في مجال البحوث العلمية وتطوير نمط التدريس عبر استعمال القاعات الإفتراضية عن بُعد. بالإضافة إلى ذلك استعمال الشبكات الإلكترونية التي تضمّ جميع القواعد العلمية والمكتبات الرقمية. ومن أبرز ما شهده قطاع التعليم مؤخراً بعد أن كان منعزلاً ضمن المنظومة العمومية ليتنقل بعد ذلك إلى منظومة الخصخصة، حيث برز العديد والعديد من المدارس والمعاهد والجامعات الخاصة التي أغلبها تعزّز مكانة التطبيقات الإلكترونية في مناهجها العلمية. فنذكر هنا الحدث البارز عالمياً خلال السنوات الأخيرة وهو بروز المدارس والمعاهد والجامعات الإفتراضية التي تصنّف ضمن مجال التعليم الرقمي الحديث.
وقد تمثّل هذا التطوّر العلمي في خلق فضاء رقمي جديد يشمل التدريس عن بُعد خاصة في الدول الأوروبية، ونذكر هنا بالتحديد فرنسا وألمانيا والولايات المتحدة الأميركية ودول الخليج. فالمُتصفّح اليومي على شبكة الإنترنت أو الباحث عن وظيفة في مجال التعليم يجد اليوم العديد من عروض التدريس عن بُعد. كذلك ظاهرة التحوّل الرهيب والسريع في أدوات عمل الأساتذة التي كانت تقتصر في السابق على الطباشير واللوحة التقليدية لتتحوّل بعد ذلك إلى اللوحة الكتابية بالأقلام، ثم حديثاً بروز اللوحة الإلكترونية وأحدثها مؤخراً استعمال تقنيات الإتصال عن بُعد عبر القاعات الإفتراضية، وذلك باستعمال اللوحة الإلكترونية على شبكة الإنترنت في أقسام تعليمية تشمل الأساتذة والتلاميذ عبر الفيديوهات المباشرة عن بُعد.
أمّا قطاع التجارة فهو أيضاً كان من أكبر المُستفيدين من تطوّر التقنيات المعلوماتية الحديثة، بحيث تحوّلت المبادلات التجارية في العالم من التجارة التقليدية إلى التجارة الإلكترونية. فأبرز دليل على ذلك هو بروز العديد من مواقع البيع بالجملة ولعلّ أشهرها موقع علي بابا الصيني بحيث المستورد أصبح اليوم ليس في حاجة للسفر قصد جلب منتجات بطريقة معقّدة. إذ أصبحت عمليات المبادلات التجارية العصرية تُدار مباشرة عبر الإنترنت وباتصالات عن بُعد من أجل الشراء بالجملة والإستخلاص والشحن. بالإضافة إلى ذلك نذكر عملاق المتاجر الإلكترونية سوق أمازون الإلكتروني الأميركي الذي يحظى بإقبال مكثّف من بيع وشراء مع تزايد ظهور فرص العمل عن بُعد عبر البيع بالعمولة المعروفة بالأفليت. أما بخصوص المتاجر الإلكترونية الخاصة بالأشخاص فهي أيضاً أصبحت تحظى بإقبالٍ مُتزايد من قِبَل الباعة للمنتجات العالمية والحرفاء الإفتراضيين. كذلك مجال التسويق الإلكتروني فهو أيضاً أصبح يستغلّ الإنترنت كمنصّات دعاية إشهارية للترويج وعرض المنتجات قصد جلب أقصى عدد ممكن من الحرفاء المُستهدفين.
بالتالي أصبح التسويق الإلكتروني يحقّق مردودية عالية ذات جودة فعّالة وناجِعة في بيع منتجات الشركات على الصعيد العالمي. كما كانت أيضاً لوسائل التواصل الإجتماعي أهمية كبرى في التسويق والترويج نظراً لتزايد عدد المُستخدمين لهذه المنصّات الإفتراضية، والتي أصبحت تضمّ الملايين من المُتصفّحين يومياً في مختلف دول العالم. أما البريد الإلكتروني فهو يُعدّ من أبرز وسائل التواصل الحديثة التي حلّت مكان الرسائل البريدية التقليدية، بحيث أصبحت المعلومة تتداول وتصل في ثوانٍ قليلة جداً.
كذلك على الصعيد السياسي ساهمت وسائل التواصل الإجتماعي والتقنيات المعلوماتية الحديثة على بعض المنصّات الإلكترونية مثل الفيديوهات والفيسبوك والتويتر في الإطاحة بأغلب رؤساء الدول العربية في فترة ما يُسمّى بالربيع العربي. بالتالي ساهمت هذه الوسائل الإتصالاتية في تسهيل عمليات التحرّكات الإحتجاجية والتظاهرات العمالية، ولعلّ أحدثها تلك التي يشهدها السودان اليوم وتحرّكات أصحاب السترات الصفراء في فرنسا، بحيث تدلّ هذه الأحداث العالمية بشكل ملحوظ على مدى فعالية تكنولوجيات المعلومات والاتصالات الحديثة بحيث تحوّل العالم من الواقعي الطبيعي إلى الإفتراضي الإلكتروني.