حول السترات الصفر
إن الحركة التي تتكشّف أمام أعيننا في هذا الوقت، والمعروفة باسم السترات الصفر، تنمو باستمرار وتظهِر بوضوح مدى مُعاناة المواطنين، لا سيما أفقرهم، من السياسة الطبقية التي يقودها ماكرون حكومته. هذا الاحتجاج الشعبي هو ثمرة سياسة غير عادلة ومذلّة للمُعاناة المتراكمة والمقموعة. وبينما ينمو الصراع ويصبح أكثر حدّة، تحاول الطبقات الحاكمة بكل الوسائل خنق صوت الشعب.
كلما ازداد انشقاق البرجوازية في تناقضاتها وغرقها في أزمة، كلما أصبحت الدعاية مُكثّفة وعنيفة وساخرة، فكما كتب الرفيق الألن باديو في أول تعليق على الحركة.
في الوقت الحالي، لا تبرز الحركة إلا المطالب الاقتصادية (ضريبة على الوقود، القوّة الشرائية، المعيشة المكلفة...). المطالب السياسية تكاد تكون غائبة. إذا كانت المطالب الاقتصادية عادلة وشرعية ويجب أن نكافح لتحقيقها، يجب ألا تنسى الحركة أنها تحارب تأثيرات وليس ضد أسباب هذه الآثار. بيد أن النضال من أجل المطالب العاجِلة، التي لا غنى عنها، لا يزيل الجذور التي تؤدّي إلى الوضع الكارثي الذي يجد فيه جزء متنامٍ من السكان نفسه. يجب أن تصارع السترات الصفر ضد القوة السياسية لأجل اقتلاع جذور مصائبهم. ويجب ألا تقتصر على المطالب الاقتصادية التي، حتى لو اقتنعت بها الغالبية، لا تلغي تماماً الظروف التي يتكرّر فيها الظلم الطبقي. لأنه وراء هذا التدهور العام الذي تعاني منه الطبقات الشعبية، تكمن طبقة الظالمين الذين لا يُعتَبر ماكرون إلا خادماً متحمّساً، ثم عندما تستحضر وسائل الإعلام البرجوازية الناس وتتحدّث في مكانها، فإن الأمر يتعلق بالوصمة والاحتقار وخاصة لإخفاء مُعاناتهم وكفاحهم وآمالهم بشكل أفضل في مواجهة هذه الهيمنة الإعلامية، فإن الناس، للدفاع عن أنفسهم، يعبّرون عن أنفسهم بأفضل ما يمكنهم، أينما كانوا وبوسائلهم الخاصة. ثم ينتهز المواطنون هذه الكلمة التي صادرتها الحكومة ووسائل الإعلام التابعة لها ونفتها. إنها كلمة تفلت من السيطرة ، وهي كلمة حرة ومُفعمة بالأمل: كلمة الشعب ضدّ الكلمة الرسمية والإعلامية
بقوّة من خيالهم وحَدْسهم، فإن الصيغ اللغوية البسيطة المضطربة والشاعرية المُبتذلة في وجه الظالمين هي في حد ذاتها. هذه الجمل البليغة والمجهولة في بعض الأحيان لديها حافز قوّي. من السهل أيضاً حفظ هذه الشعارات التي تتكرّر في كل مكان في فرنسا من قبل السترات الصفر والتي تسعها في عمقها إلى القيام بعمل واسع النطاق، وهو مقاومة جماعية. برغم من كونهم يفتقرون إلى منظمة واعية ومصمّمة. منظمة قادرة على توحيد حركة من دون لأنه وببساطة ضرورة تاريخية ووحدة توجيهها لشنّ صراع سياسي طبقي ضد الطبقة المسيطرة، وإلا لا يمكن للحركة أن تتجاوز الإطار الضيّق للمطالب الاقتصادية. للأسف في السياق السياسي الحالي، هذه المنظمة غير موجودة. وأخيراً علينا أن نكون واقعيين وأن نفعل ما هو موجود. إذن جميع القوى التي تدّعي الدفاع وأنها الطبقة العاملة، جميع التقدّميين، جميع المواطنين الفقراء والمحتلين والمذلّلين جميعاً مع حركة السترات الصفراء ضدّ هذا الرئيس المُتغطرٍس والطبقة التي تقف وراءه الذي يغرق المجتمع الفرنسي ببطء في نظام لا يمتلك سوى الشكل الديمقراطي، ما يؤدّي إلى إفقار تجمّعات أعداد متزايدة من السكان، ويخنق تدريجياَ الحريات القليلة التي لا تزال قائمة للمواطنين، ويقمع أية رغبة تدل عن المقاومة للسياسات الليبرالية التي يفرضها الرأسمال العالمي
في الأخير إن الأمر يتطلّب قدراً كبيراً من السذاجة للاعتقاد بالقِيَم التي تنقلها الأيديولوجية البرجوازية، مثل سيادة القانون، والفصل بين السلطات، وحرية التعبير، والمساواة بين المواطنين، وما إلى ذلك. إلخ في المجتمع الرأسمالي ، البرجوازية، أي الطبقة الاجتماعية التي تعيش من عمل الآخرين، لا تمتلك فقط وسائل الإنتاج، بل تمتلك جميع أدوات القسر التي تسمح لها بالاحتفاظ بالسلطة وخضوعها للهيمنة. فصول أخرى. بالطبع، المجتمع البرجوازي ينكر أن يكون مجتمع طبقي وينتشر عبر وسائل الإعلام، وخاصة قِيَم العدالة للجميع، الحرية للجميع، إلخ، لخداع الجماهير المضطهدة والمستغلّة.