تنفيذ مُخطّط تصفية القضية الفلسطينية
بدأت المفاوضات على أساس وثيقة "إعلان المبادئ" التي قدّمتها الإدارة الأميركية كمرجعيةٍ للمفاوضات بين م. ت. ف و"إسرائيل".
بدأ تنازل المفاوِض الفلسطيني وقيادته السياسية عما هو دون مستوى مرجعية المفاوضات في وثيقة إعلان المبادئ. إذ تنازلت القيادة الفلسطينية عن مبدأ الولاية التي نصّت عليها المادة الرابعة من وثيقة إعلان المبادئ، ونصّها: "اعتبار الطرفين الضفة الغربية وقطاع غزَّة وحدة مناطقية واحدة يجب المحافظة على وحدتها وسلامتها خلال الفترة الانتقالية".
وتأتي القيادة الفلسطينية لتنسف مضمون المادة الرابعة باعترافها بمبدأ التبادلية، وهو المبدا الذي يشي بمنح الشرعية والاعتراف بالاستيطان. وتعني التبادلية تبادل الأرض الفلسطينية المُصادَرة لصالح بناء المستوطنات- المستعمرات التي بُنيَت على أرض القدس، على سبيل المثال، بتبادلها بأرض في النقب الذي احتلّ في 1948 بعضها مُستخدَم كمكبٍ للنفايات الذريّة!
وغضّت السلطة الفلسطينية النظر عن المُطالبة بانسحاب جيش الاحتلال من 90% من منطقة "ج" كما تنصّ اتفاقية أوسلو بعد توليّ المجلس التشريعي أعماله بثمانية عشر شهىراً. تشكّل المنطقة "ج" 60 % من الضفة الغربية، وتُعتبَر الفضاء الزراعي والرصيد لاحتياجات الأجيال القادمة.
وفي ظلّ مفاوضات عبثيّة وغضّ النظر أصبح عدد المُستعمرين أكثر من نصف مليون مُستعمِر مُلتزِم الأيدولوجية الصهيونية التي لا تؤمن بحق الشعب العربي الفلسطيني العيش على هذه الأرض ، ويشكّلون الرديف للقوات الرسمية مهمّته القيام بعملية التطهير العرقي لضمان يهودية الدولة.
ينصّ اتفاق أوسلو على إنهاء المفاوضات حول قضايا المرحلة النهائية وأهمّها: القدس، اللاجئين، الاستيطان... قبل نهاية السنة الثانية من المرحلة الانتقالية. مرّ الموعد ولم تجرِ المفاوضات حول هذه القضايا المصيرية، من دون معركة سياسية. قررتُ تقديم مشروع قانون القدس عاصمة فلسطين، للكشف عن حقيقة موقف السلطة من قضايا المرحلة النهائية. ولكن رئيس المجلس السيّد أحمد قريع رفض وضع مشروع القانون على جدول أعمال المجلس ما زاد من شكّي وقلقي.
وعاد رئيس المجلس التشريعي ليقدّم قانون القدس الذي رفضه سابقاً، بعد أن وجد مخرجاً لتمريره في وثيقة أبو مازن - بيلين حيث اتفقا على أن تصبح القدس الغربية والشرقية عاصمة للكيان الصهيوني، إسمها يروشلايم! بينما أصبحت أبو ديس العاصمة الفلسطينية، ليصبح إسمهما القدس ولكن من دون أقصاها وصخرتها وقيامتها.
وهنا يلحّ سؤال: لماذا نُقلِت مسؤولية الأماكن المُقدّسة من مسؤولية الدولة الأردنية إلى العائلة الهاشمية؟
وللتاريخ أيضاً.. فعندما عُيّن السيّد محمود عباس رئيساً للوزراء، عرضَ عليَّ الوزارة في حكومته، فسألته ما برنامجك؟
المفاوضات. أجاب!
الحل في رأيي سيتحقّق عندما تنجح في تعبئة مئات الآلاف من الرجال والنساء، تتوجّه لفتح القدس كموج البحر، عُراة الصدور، موجة إثر موجة، حتى يكلّ الجندي الصهيوني من القتل، ولشنّ أوسع حملة إعلامية على مستوى العالم، ضدّ الاحتلال، لتكون غاندي الفلسطيني.
انك تحمّلني عبئاً فوق طاقتي لا أستطيع حمله.
سألته ما الحل، وكيف يمكن أن تحقّق مشروع فتح الوطني؟
بالمفاوضات وحدها، ردّ عليّ.
فافترقنا.
وتبيّن لي أنه غير مُقتنِع بشكلٍ واقعي وحقيقي بالكفاح السياسي كما خاضه غاندي، وكما خضته بنفسي.
لماذا يقوم السيّد محمود عباس بشطب الدستور الفلسطيني والانتخابات الرئاسية والتشريعية، ثم قام باحتلال كرسي الرئاسة عنوة من دون شرعية دستورية، ثم يُجمّد دور المجلس التشريعي، ثم يُبدّد 3مليارات ونصف المليار معاشات لمجلس تشريعي مُعطّل مّدة عشر سنوات، وحرمان الشعب من دوره الرقابي والتشريعي والتخطيطي والتنموي ليحلّ محل هذا النظام الديمقراطي، نظام بوليسي ديكتاتوري!!
هل ذلك لتسهيل التوقيع منه أو من خلف له، على اتفاق من شأنه تصفية القضية الفلسطينية؟
ثم جاء بقرار يقلب دور المحكمة الدستورية رأساً على عقب من دورها المُقدّس في حماية سيادة القانون وضمان صون الدستور(المادة 103من الدستور) إلى أداة لنسفهما. "لا يجوز حل المجلس التشريعي الفلسطيني أو تعطيله" حتى "خلال فترة حال الطوارئ أو تعليق أحكام هذا الباب" (المادة 113 من الدستور) وهذه المادة اقترحها المُشرّع كاتب المقال، لقناعته بأن الرئيس الراحل لن يتحمّل وجود قانون لمساءلته أو مساءلة أحد وزرائه.
وجاء الرئيس الأميركي ليلبس ثوب السيّد محمود عباس، كما في مصالحة الدم الفلسطينية، ليقوم بنفسه شطب القدس عاصمة فلسطين، واللاجئين (حق عودة اللاجئين)، والمستوطنات، وبقية قضايا الحل النهائي، لتمرير كافة التنازلات التي قدّمتها السلطة، واعتبارها من عامة الفلسطينيين كونها قرارات من الرئيس الأميركي حكماً تنفيذياً لا يمكن لسلطة أن تسقطه. ولهذا يُلاحظ أن كافة وسائل الإعلام العربية والغربية لا تتطرّق للتنازلات التي رسخت في وثيقة أبو مازن- بيلين، بعدما لم تتمّ المفاوضات بشأنها في المرحلة الانتقالية بعد رشوة أكثرية حزب السلطة في المجلس التشريعي باعتبار المفاوضات من اختصاص م. ت.ف هي المرجعية للسلطة ومؤسّساتها.
إنّ اتّخاذ قرار إجراء الانتخابات الشاملة يمكن أن يتضمّن الخلاص للشعب، شريطة قيام قواه الوطنية الفاعِلة بتنظيم قائمة تشكّل أكثرية أعضاء المجلس التشريعي لخوض الانتخابات كمجموعةٍ تضمن القدرة على تحقيق التغيير، وإحداثه كضرورةٍ لتوحيد الشعب في القطاع والضفة على برنامج موحِّد يخطّه الشعب الفلسطيني، وليس دول أو أحزاب فشلت في تحقيق وحدة الشعب طوال دزينة من السنوات العِجاف.