ما بين سطور انسحاب الأميركي من سوريا
سوريا التي هزمت العالم وحطّمت مؤامرة كونيّة كانت كفيلة لهدم قارّة بأكلمها وليس دولة، وحتى وإن كانت استنزفت سوريا كثيراً وفقدت الكثير من دمائها في معارك الأعوام السبعة، فهي خرجت واقفة على قدمها.
وكالعادة يأتي ترامب على عكس ما تشتهي سفن الدولة العميقة في واشنطن، ويقرّر انسحاب قوات بلاده من سوريا، في مشهدٍ قد تبدو لا مقدّمات له، ولكن حقيقة الأمر مشهد زيارة البشير إلى دمشق مُحمّلاً برسائل من الخليجي، قبل أن يعلن البشير عن تضامنه مع سوريا كدولة مواجهة، وبمجرّد عودته إلى الخرطوم كان رئيس الأركان العامة السعودي حاضراً لمعرفة ردّ فعل الرئيس بشّار الأسد، بعد أن قام عمر البشير بالدور الذي قام به علي بابا جان وأحمد داوود أوغلو وأطراف خليجية قبل 2010، ومن قبله مشهد التواصل بين الرياض ودمشق عبر أبوظبي، ورسائل وزير الخارجية البحريني لنظيره السوري، والأهم السترات الصفراء التى حيّدت نابليون الصغير عن الكثير، كل تلك المشاهد كانت مُقدّمات لما يحدث الآن على أرض سوريا.
سوريا التي هزمت العالم وحطّمت مؤامرة كونيّة كانت كفيلة لهدم قارّة بأكلمها وليس دولة، وحتى وإن كانت استنزفت سوريا كثيراً وفقدت الكثير من دمائها في معارك الأعوام السبعة، فهي خرجت واقفة على قدمها.
خطوة ترامب لو اكتملت حتى نهايتها (فهناك مَن سيفعل المستحيل لإحباطها حتى لو تكلّف الأمر اغتيال ترامب نفسه) فخطوة ترامب تلك ستكون بداية لأمرٍ من إثنين لا ثالث لهما، أما سلام جديد في المنطقة على أسس وقواعد ومعادلات مختلفة تماماً عن أية عصور سابقة (كما يرغب ترامب في صفقة القرن)، أو بداية لحربٍ جديدةٍ تخوضها إسرائيل ضدّ مَن نجحت واشنطن جزئياً في استنزافهم وفشلت كلياً في تدميرهم، ولا أخفي عليكم لو حدثت أية حرب إسرائيلية ضدّ أعدائها في المنطقة لكانت تلك القوات الأميركية في سوريا أصبحت رهائن لدى الحرس الثوري الإيراني.
فالانسحاب الأميركي بتلك الوتيرة بالتزامُن مع التصعيد الإسرائيلي الفلسطيني على الضفة والقطاع، في ظلّ إطلاق دولة الاحتلال عملية "درع الشمال" تجاه الحدود اللبنانية ثم "درع الجنوب" تجاه الحدود مع غزّة، في ظلّ استمرار أعمال مهرجان "التطبيع للجميع"، فالرئيس السوداني نفسه كان في الأيام الأخيرة على اتصال مع الجانب الإسرائيلي عبر وسيط تركي، وغيرها من المشاهد في الداخل الإسرائيلي تقول إن الغد لا يحمل سلاماً في المنطقة.
لا يفوتنا أن بانسحاب القوات الأميركية من سوريا سيُصيب الكرد بحال جنون لا توصف، فهم الآن محاصرون بين الفكّين، فكّ الذئب الرمادي (تركيا) وفكّ الأسد (سوريا).
فى كل الحالات ستكون خطوة ترامب اليوم، خطوة من أجل إتمام "صفقة جاريد كوشنير" أو "صفقة القرن"، الصفقة التي في كل مرة يُعاد فيها صوغها يفقد فيها الأميركي جزءاً من مكاسبه، صفقة القرن التي حذّرت نيكي هايلي مندوبة الولايات المتحدة في مجلس الأمن الشعب الفلسطيني من عدم قبوله لها، قبل أن تفشل في إدراج حركة حماس كمنظمةٍ إرهابية.
خلاصة القول أحلام الانتهاء من الرئيس بشّار الأسد والصلاة في الجامع الأموي بعد الوضوء بدمائه، أو أن يكون عدنان العرور مفتي سوريا وعبد الله المحيسني رئيس الإمارة الإسلامية في الشام، وما غيرها من أحلام ذهبت من دون رجعة، ولم يعد هناك رفض لعودة سوريا إلى مقعدها في جامعة الدول العربية، ولكن الجديد والمهم هو أن هناك محاولات حثيثة على غرار ما حدث من 2004 حتى 2010 على إبعاد سوريا من إيران، ولا نستبعد أن تشارك روسيا نفسها فى هذا الأمر.
وننتظر شكل سوريا والمنطقة بعد 4 أشهر من الآن، وهل إن كان ترامب سيُعلن عن "صفقة القرن" في العام الجديد حقاً، أم سيؤجّل الإعلان عنها مجدّداً.