المخزن والعدل والإحسان

يختلف المتخصّصون في تحديد مفهوم المخزن متذرّعين بهُلاميته.وتتسم العلاقة بين النظام السياسي المغربي وجماعة العدل والإحسان بالتوتّر طوال سنوات خلت، ويمتد التضييق كما تحب الجماعة أن تسميه، بين مدٍ وجزر.

الملك المغربي محمد السادس

اختلف المتخصّصون في تحديد مفهوم المخزن متذرّعين بهُلاميته. حسب ويكبيديا:"المخزن يعني النخبة الحاكِمة في المغرب. وظلّ المُصطلح يُستعمل إلى يومنا هذا في إشارة إلى النسق الحاكم، الذي تتشابك مصالحه ومسؤولياته، ولازال الغموض يُحيط بعض المساحات فيه، والتي ظلّ الدستور بنسخته الحالية لسنة 2011 عاجزاً عن تحديدها كاملة".

جماعة العدل والإحسان هي تنظيم بصبغة دعَوية إسلامية، وتعدّ أكبر التنظيمات في المغرب. بدأ تأسيسها بتاريخ 4 أبريل 1983، حين وضعت نظامها الأساسي بكتابة النيابة العامة بالرباط، طبقاً للكيفية المنصوص عليها في الفصل الخامس من ظهير 15 نونبر 1958، حسب موقع الجماعة نت في سياق ردّه على الحملة التي تتّهم التنظيم بالمحظور.

اتّسمت العلاقة بين النظام السياسي المغربي وجماعة العدل والإحسان بالتوتّر طوال سنوات خلت، وامتد التضييق كما تحب الجماعة أن تسميه، بين مدٍ وجزر. بينما تعتبره السلطات حرصاً منها على تطبيق القانون واحترامه. توتّر واعتقالات وإقامة جبرية لمؤسّسها وسجن، وزّع منه لطلبتها الاثنا عشر عشرين سنة كاملة، فيما تتشبّت الدولة كون الجماعة بتكثيف أنشطتها تكون خارج القانون حسب تصريحات وزير الداخلية سابقاً. ولا زالت الجماعة كما تؤكّد، تمنع من حقّها بالإعلام العمومي والفضاء العام. كما يتم منع العديد من أعضائها وقيادييها من السفر إلى الخارج أكثر من مرة، وشملتهم حملة إقصاء من الوظيفة العمومية لانتمائهم السياسي، وترسيب وإعفاء واسعين.

وتقول الجماعة أن أحد أعضاء شبيبتها كمال عماري تعرّض للتعذيب بالشارع العام، وتأثّر بجروحه حتى مات بالمستشفى، بالحراك العشريني سنة 2011. وهو ما أكّده المجلس الوطني لحقوق الإنسان على لسان رئيسه السابق اليزمي في قبة البرلمان، وفق تقرير رسمي مُنجز.
فهل تدّشن الدولة "المخزن" مرحلة جديدة في التعامل مع الجماعة؟ وهل تستعدّ الجماعة فعلياً للانخراط في اللعبة الحالية وتأسيس حزب سياسي؟.

السلطات المغربية لم تتأخّر كثيراً، ولم تترك فرصة للتردّد في حسم موقفها، فلم تكد تعلن الجماعة في بلاغ صحفي عن إحياء الذكرى السادسة لرحيل مؤسّس الجماعة، حتى نزلت القوات الأمنية والإدارية بكل ثقلها في مدينة وجدة، يوم الإثنين 3 دجنبر 2018 على الساعة 4 مساء، وقامت حسب ما أورده موقع الجماعة نت، باقتحام بيت الدكتور المهندس لطفي حساني، عضو مجلس شورى الجماعة، من دون سابق إنذار أو إشعار أو قرار قضائي، وعمدت إلى كسر أبوابه و تشميعه ومنع أصحابه من ولوجه. ليصدر والي الجهة، بعد ذلك، قراراً بهدم البيت.

مباشرة بعد الواقعة، دشّن موقع "الجماعة نت"، الذي يعتبر بوابة رسمية لجماعة العدل والإحسان وواجهتها الإشعاعية، حملة تواصلية وإعلامية مع الرأي العام الوطني والدولي لتوضيح ملابسات الملف القانونية والحقوقية، وبثّ ولازال عدداً من المواقف التي أدانت تصرّف الدولة، وبدا أن هناك إجماعاً واسعاً، يقول بانتهاك وتعسّف ضدّ جماعة العدل والإحسان يستهدفها، ويخرق القانون ولا يحترم الحد الأدنى للمساطر المعمول بها، ولا يراعي حرمة البيوت التي كفلها المشرع المغربي، حسب رموز حقوقية في الساحة.

في المقابل، تمّ تسريب صوَر لمنزل الدكتور لطفي حساني لعدد من المواقع الرقمية، في محاولة للردّ على خرجة الجماعة، واتهامها بالكذب، وأن الأمر يتعلق بمخالفة للتصميم. الجماعة بدورها لم تتوان عن التوضيح والتواصل، حيث قام الدكتور لطفي حساني القيادي بالجماعة، بإصدار بلاغ للرأي العام مُدلياً بكل الوثائق القانونية لمسكنه، وأنه احترم كل المساطر المعمول بها لبناء مسكن له ولأسرته ولضيوفه منذ سنوات وأن الأمر يتعلق بقرار سياسي لانتمائه لجماعة العدل والإحسان.

وسجّلت الجماعة ووصفت الخرجة المسرّبة للصوَر بأنها دليل مادي لتورّط السلطات في الاقتحام، وأنها محاولة للتحكّم بذوق المغاربة والتدخّل في تفاصيل حياتهم الخاصة، وفي اختيار أثاثهم، وضيوفهم وخصوصيّاتهم، كما تزامن ذلك كما تؤكّد الجماعة مع ما أصدرته مؤسّسة النيابة العامة لقانون، بالكاد يكشف عنه، والذي يمنع تصوير وبثّ مشاهد لحياة الناس الخاصة من دون إذن صاحبها!.

بالجانب الرسمي داخلياً وخارجياً: البلد ينظّم المنتدى الدولي للهجرة بمراكش بحضور الأمين العام للأمم المتحدة السيّد غوتيريش، والدبلوماسية خارجياً بقيادة الوزير بوريطة تجلس بمباحثات جنيف تصارع عدداً من الأطراف الداخلية والخارجية في ملف الصحراء الذي عمّر طويلاً. في جانب آخر الملك محمّد السادس يعيّن أمينة بوعيّاش على رأس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ويعلن عن تنصيب بنيوب مندوباً وزارياً لحقوق الإنسان، في سياق الاحتفال الرسمي بعاشر دجنبر، اليوم العالمي لحقوق الإنسان. وغير بعيد، فرنسا تغلي على وقع احتجاج السترات الصفراء، وتدفع ماكرون للاعتذار والتراجع ورفع الأجور، وتليه الجارة الإسبانية في خطوة استباقية لأيّ احتجاج، لتعمّ الحراكات بقية أوروبا. فيما صوّت مجلس الشيوخ الأميركي بالإجماع على قرار يُدين بن سلمان ويقرّ بمعاقبته.

حكومياً، تم تحريك المتابعة ضدّ السيّد حامي الدين، والأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية عقدت اجتماعاً طارئاً، وأصدرت بلاغاً شديد اللهجة، بما يُعطي الانطباع بتحوّلات وتطوّرات على مستوى الائتلاف الحكومي، وطبيعة العلاقة بين السلطات والحزب. سياق داخلي مغربي يبدو فيه القرار الأمني والإداري مفصولاً عن الملفات الداخلية والخارجية الحارِقة التي لا تجد جواباً ولا حلولاً، وملف وحدة ترابية يعرف تعثراً، وجبهات حقوقية وسياسية تفتح في أكثر من واجهة، بما يوحي بارتباك عام، يضاف لفشل النموذج التنموي المُعلن عنه رسمياً!.

على مستوى جماعة العدل والإحسان

التوتّر لا زال يسود علاقة الدولة بجماعة العدل والإحسان

أكّدت الدائرة السياسية على التردّي العام في تقرير سنة 2018، الذي تمّ بثّه كاملاً على موقع الجماعة نت يوم سادس نونبر 2018، ويشمل توصيفاً لكل المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية والثقافية والحقوقية والخارجية للبلد بالأرقام والمؤشّرات، كما تمّ الحديث عن النساء والشباب. وأصدرت الهيئة الحقوقية للجماعة أيضاً بيانها السنوي يوم 10 دجنبر 2018، يُحصي عدد المُتابعين في الريف وجرادة بما يتجاوز 700 معتقل، ويحمّل الدولة المسؤولية في ما آلت له الأوضاع، بما سمّته ذات الهيئة انتكاسة حقوقية، وطالبت بالتعجيل بإنشاء آلية وطنية مستقلّة للوقاية من التعذيب. وقبله بأيام صدر بيان عن القطاع الصحّي التابع للجماعة يدعو بصحّة جيّدة للمغاربة وبرفع نسبة ميزانية القطاع لتحسين أوضاع المُشتغلين به، أو المُرتفقين من عموم المواطنين، وهو ما تزامن مع الواقعة.

من جهة أخرى، أعلنت الجماعة عن تنظيم ذكرى مركزية لرحيل عبد السلام ياسين مؤسّس الجماعة السادسة، اختارت لها هذه المرة مجلس نصيحة، لتبرز الجانب التربوي كما عبّر عن ذلك أحد قياديها، عضو مجلس الإرشاد الدكتور عمر أمكاسو في حلقة حدث الأسبوع هذه الأيام، على قناة الشاهد التابعة للجماعة، واليوم الثاني سيعرف تنظيم ندوة حول التربية الإيمانية الإحسانية.

من خلال كل ما سبق، يبدو أن التوتّر لازال يسود علاقة الدولة بجماعة العدل والإحسان سواء ما تمّ بملف وجدة من تشميع بيت وتهديد بهدمه، بما اعتبره مراقبون تصعيداً من الدولة في مواجهة مواقف جماعة العدل والإحسان وامتدادها. أو قبله ملف عمر محب القابع في السجن والذي تقول الجماعة أنه ملف ملفّق لليّ ذراعها ودفعها للتنازل. بما يؤكّد أنه لا انفراج حالياً بين الطرفين، وأن الدولة تحرص بين الفينة والأخرى بتذكير الجماعة أنها لازالت تحت الأنظار والحصار، وأن القرار لحد الآن، "الحظر" الرسمي الذي يمنعها من كل ما يتمتّع به الآخرون. فبينا الدولة تتابع قيادياً من خلال تدوينة، كما وقع مع مسؤول قطاعها النقابي الدكتور محمّد بنمسعود الذي حصل على البراءة، أو تتابع عضواً بالانتماء لجمعية غير مرخّص لها رغم ما تتوافر عليه الجماعة بما تسميّه احتراماً للمساطر المعمول بها قانونياً، أو تمنع أحد مسؤوليها من السفر إلى مؤتمر.

كما أن المشرفين على العملية لا يأبهون للتوقيت أو السياق الداخلي والخارجي، وما يتمّ فتحه من ملفات تباعاً، بما يجعل المغرب الرسمي يخسر نقاطاً كثيرة حقوقياً وسياسياً، ويعيش هشاشة كبيرة على مستوى الجبهة الداخلية التي يمكن أن تشتغل على ملف الصحراء مثلاً وتدبيره بشكل أنجع، ويتم الالتفاق للأهم اقتصادياً واجتماعياً. كما أن ما يقع، يفوّت على البلد إمكانية انخراط الجميع، وبما يحسّن شروط صناعة القرار المغربي، في أفق إنقاذ الوطن مما يعيشه على جميع المستويات.

بالنسبة للجماعة يبدو أنها لا زالت مُتشبّثة بمواقفها لحد الآن، وأنها لازالت وفيّة لنهج مؤسّسها روحياً وفكرياً وسلوكاً بتخليد ذكراه والتأكيد على كونه المصحوب، الغائب جسداً الحاضر روحاً وتعلقاً، كما ذهب لذلك عضو مجلس إرشادها الدكتور عمر أمكاسو على قناة الشاهد. بالشق السياسي، تؤجّل الجماعة أية فكرة حسب منطوق بياناتها وخرجاتها، وتصريحات قيادييها عن أي انخراط أو دخول للعبة الحالية وللانتخابات المغربية بشكلها الحالي والانخراط فيها بالشروط الحالية، يزكّيها بحسب نظر الجماعة ما تعتبره هي التضييقات التي تتعرّض لها والملفات الحارِقة للمغاربة التي لازالت أمام طاولة الدولة، لإبداء حُسن نيّتها في ما تقوله.

وبالنظر كذلك، حسب رأي الجماعة، للاختلاف الموجود بين الممارسة والشعارات والواقع. وتصرّ الجماعة أنها لازالت ممنوعة من جمعيات بسيطة، بل الدولة كادت أن تمنع زوجة عبد السلام ياسين من مجرّد قبر حين حلّ أجلها، وكانت أمنيتها أن تدفن قرب زوجها، فبالأحرى أن تذهب في اتجاه مسطرة إدارية لتأسيس حزب سياسي وهي ترى كما تستدلّ على ذلك بنموذجي حزبيّ البديل الحضري والأمّة، الممنوعان رغم احترامهما لكل المساطر. حزب سياسي لا زالت تعتبره الدولة منّة، بحسب تعبير الجماعة دائماً.