إملاءات تصفوية وليست صفقة
تُغرق الصحافة الإسرائيلية وسائل الإعلام بكم كبير من الأخبار والمعلومات المتعلقة بالمشهد الفلسطيني والعربي والدولي، ومع وصول مبعوثي إدارة ترامب كوشنير وغرينبلات إلى المنطقة تمركزت التسريبات فيما يتعلق بما يسمى صفقة القرن إلا أنه ينبغي وضع كل ما يتسرب في نطاقه الحقيقي والصحيح والذي في معظمه يعد محاولة لجس النبض لاستدراج مواقف من الأطراف المختلفة خاصة الفلسطيني فيما يتعلق بحراكهم السياسي وكان لافتا المقابلة التي أجرتها صحيفة "القدس" مع كوشنير والتي أدلى فيها بتصريحات حول هذا الحراك ووجه من خلاله رسائل واضحة في أكثر من اتجاه إلا أن الجهد الأمريكي لتمرير مخططه لتصفية القضية الفلسطينية يقابل بعقبة كأداء وهي الإجماع الفلسطيني على رفض ملامح الصفقة الأميركية.
تتضح الخطة الأميركية منذ البداية في تصفية القضية عبر الموقف الأميركي بنقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة وتقليص مساهمتها في ميزانية "الأونروا" ثم وقفها الكامل للدعم المالي الأميركي للسلطة الفلسطينية تحت عناوين سياسية وأمنية وتدعم المعلومات التي نشرتها أكثر من صحيفة إسرائيلية هذا التوجه وهي تشير إلى شكل التسوية القادمة التي تبقي القدس عاصمة لدولة الاحتلال وتحت سيطرتها بما في ذلك المسجد الأقصى وحائط البراق والتخلي عن 4 أو 5 بلدات فلسطينية بالقدس ونقلها للسلطة الفلسطينية ومنها أبو ديس التي ستكون عاصمة للكيان الفلسطيني وقد سبق أن أثير الموضوع قبل عدة أشهر في لقاء الأمير ابن سلمان ولي العهد السعودي مع الرئيس الأميركي ترامب في لقائهما بواشنطن ونقل هذا الموقف إلى السلطة الفلسطينية وعدا عن ذلك فإن جميع المستوطنات بما فيها البؤر الاستيطانية الصغيرة ستبقى تحت السيطرة الإسرائيلية مع سيطرة أمنية كاملة في البر والجو.
تسوية بهذه المعطيات لن يقبل بها أي فلسطيني إلى جانب الإجماع بين السلطة الفلسطينية وفصائل المقاومة على رفضها وبما أن موقف الأخيرة هو الأقوى خاصة في ظل مسيرات العودة وما فرضته من حقائق في المشهد الإسرائيلي والدولي فإن الخطة الأميركية سبقت بجهود أميركية بالتعاون مع الكيان وبعض العواصم الأوروبية من أجل الالتفاف على المسيرات وتهيئة الأجواء لتمريرها من خلال ما يطرح تحت العنوان الإنساني.
من هنا يأتي الكم الكبير من المعلومات عن مشاريع اقتصادية سواء بإنشاء محطة شمسية لتوليد الكهرباء وإنشاء منطقة صناعية في سيناء يستفيد منها الفلسطينيون والمصريون أو إقامة رصيف في ميناء قبرصي لنقل البضائع مباشرة إلى غزة، وأوضح أن هذه المشاريع تهدف إلى نقل المسؤولية عن غزة إلى مصر والمجتمع الدولي من خلال استنفار مساعدات دولية لدعم هذه المشاريع في حين تبقى إسرائيل متفرجة لا تقدم شيئً سوى موضوع الرصيف والذي ربطته باشتراطات تتعلق بجنودها الأسرى بغزة أي توظف المشاريع لتحقيق أهداف أمنية ومنها تهدئة طويلة الأمد، وأن يخضع التفتيش والمراقبة الأمنية في الميناء القبرصي على الرصيف البحري المخصص لبضائع تنقل إلى غزة، للسيطرة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مراقبة منظمة دولية مثل الأمم المتحدة وهو ما يحدث في معبر كرم أبو سالم.
لإدراكها أيضا أن تسوية بهذه المعايير التصفوية لن تنجح لجأت واشنطن إلى بعض العواصم العربية فحط كوشنير وغرينبلات في الرياض وعمان والقاهرة في محاولة لاستجلاب تأثيرها في اتجاهين الأول الضغط على السلطة لتقبل بالتفاوض مع الاحتلال والبحث في خطوط التسوية الأميركية ثم ضخ المال الخليجي في المشاريع التي يجري الكشف عنها لترويض غزة لتصمت أو تقبل بالتسوية الأميركية ويبقى الموقف العربي أضعف من أن يتساوق مع مخطط ينتقص من الحقوق الفلسطينية بما في ذلك القدس المحتلة ومسجدها الأقصى فأوراقها أضعف من ذلك فيما الضغوط الأكبر هي الأميركية الإسرائيلية التي تستخدم ورقة المال لإجبار السلطة للتعامل معها، وكانت مقابلة كوشنير مع صحيفة «القدس» واضحة في هذا الاتجاه من خلال التلويح بتجاوز عباس ومخاطبة الجمهور الفلسطيني من خلال المشاريع التي يخطط لها دون أن يكون للسلطة أي دور فيها، أو طرح مشاريع اقتصادية تتعلق بغزة مع تجاوز السلطة القائمة في غزة، ويبدو كوشنير مخطئا وهو يفترض أن الأجيال الفلسطينية الجديدة ستغلب مصالحها المادية الخاصة على الدوغما أو الأيديولوجية المعادية للصهيونية وتقبل بخطة السلام مع الاحتلال التي تمنحها السيطرة على الأماكن الإسلامية في القدس وسيادة محدودة في الضفة المحتلة وتطورا اقتصاديا في القطاعين العام والخاص.
وأوضح تماماً أن هناك محاولة أميركية لتوظيف حالة الضعف والتساوق العربي معها في ظل تصدير إيران بعبعاً للخليج بجانب الضعف الحاصل في المشهد الفلسطيني نتيجة الانقسام وارتباط السلطة بالاحتلال أمنياً واقتصادياً من أجل تمرير ما تريده تل أبيب وواشنطن من إملاءات لتصفية الفضية الفلسطينية، إلا أن هذا الحلم يبقى حلماً ولا يجد له مكانا في فلسطين ورغم حالة الانقسام فإن هناك إجماعاً فلسطينياً على التصدي لهذه الصفقة وتبقى غزة بمسيرات العودة حائط الصد الأول للمخطط الأميركي الإسرائيلي والذي يذهب أدراج الرياح ويستقر على رفوف الكتب كما كل المخططات السابقة التي فشلت في تصفية القضية الفلسطينية.