إرهاصات الوجود العسكري الأميركي في سوريا

يُعتبر التواجد العسكري الأميركي في سوريا ضمن سياسة بسط النفوذ العسكري ومُسابقة الروسي لامتلاك قواعد جوية وصاروخية، تؤمّن لها تفوقاً استراتيجياً عالمياً، حيث إن طبيعة الجغرافيا السورية مناسبة لذلك بين الشرق والغرب وبين الشمال والجنوب. خاصة بعدما أدركت الولايات المتحدة الأميركية فقدانها أوراقها الإرهابية في الشمال السوري وتحديداً حلب، فقد سارعت إلى التحرّك في المنطقة الشرقية من سوريا وتحديداً منطقتي البادية والحدود السورية مع العراق، للسيطرة عليهما وفرض فصل استراتيجي بين العراق وإيران من جهة وبين سوريا ولبنان، حيث حزب الله من جهة أخرى.

نشرت أميركا 800 جندي في القاعدة لدعم التحالف الدولي ليس لمكافحة الإرهاب إنما لتقويض سيادة ووحدة وسلامة أراضي سوريا وإطالة أمد الأزمة

منذ نهاية الحرب العالمية الثانية تسعى الولايات المتحدة الأميركية إلى تعزيز نفوذها في منطقة الشرق الأوسط في إطار التوازن الدولي"الثنائية الدولية"، أو في إطار "الأحادية القطبية" من خلال تقوية دورها السياسي في الشرق الأوسط في إطار استراتيجية تهدف إلى الهيمنة على مقدّرات دول هذه المنطقة ونَهْب ثرواتها والتحكّم بمصير شعوبها في مختلف مناطق العالم ولاسيّما في الشرق الأوسط؛ فقد تمكّنت أميركا من الهيمنة على مقدّرات معظم دول الشرق الأوسط في إطار مشروع أكبر وأوسع، يهدف إلى السيطرة على العالم من خلال القواعد العسكرية الأميركية المنتشرة في العالم بعدد يزيد عن 1000 قاعدة عسكرية في أكثر من 130 دولة من دول العالم، من بينها العراق والسعودية والكويت والبحرين وقطر وتركيا وأفغانستان ودول منطقتيّ آسيا الوسطى والقوقاز فعلى سبيل المثال العراق وحده 75 قاعدة.

الأهداف والغايات العامة:

من خلال نظرة سريعة على عدد ونوعيّة هذه القواعد وطريقة توزيعها على امتداد الخريطة الجغرافية للمنطقة، يتّضح بصورة جليّة أنَّ الهدف من هذه القواعد لا يقتصر على تحقيق غايات عسكرية؛ بل يهدف إلى تكريس واقع يخدم الاستراتيجية السياسية والاقتصادية الأميركية في المنطقة والعالم، وتستهدف هذه القواعد تحقيق عدّة أهداف:

  1. التهديد المباشر باستخدام القوّة ضد أيّة دولة تعارض الوجود الأميركي في المنطقة.
  2. الحفاظ على أمن الكيان الإسرائيلي ضد أيّة محاولة تهدف إلى دعم القضية الفلسطينية من أجل استعادة الحقوق المُغتَصبة في الأرض والوطن.
  3. تأمين طُرق عبور مصادر الطاقة من المنطقة إلى مختلف مناطق العالم.
  4. توفير الحماية للمؤسّسات التي تعمل على نشر الثقافة المادية الغربية لاسيّما الأميركية في أوساط شعوب المنطقة.
  5. المراقبة والتجسّس والتدخّل في الشؤون الداخلية للدول وافتعال الأزمات المُستدامة.

وظهر جلياً بداية ما يُسمّى "الربيع العربي" تعمل كل من أميركا وبعض حلفائها الغربيين على تحقيق أهدافهم في إعادة رسم خرائط سياسية تقسيمية للمنطقة، على أسُس مذهبية ومناطقية وغيرها بحدود دموية جديدة لا سيما عن طريق دعم المجموعات الإرهابية ومدّها بمختلف أنواع الأسلحة، ومن هنا يمثل التواجد الأميركي العسكري في سوريا الممتد على طول الشريط الحدودي بين سوريا وتركيا، الشمال الشرقي حيث يسيطر على غالبية هذه الحدود الكرد، ما يشير إلى نوايا أميركا في تعزيز مبدأ الانفصال والتقسيم والفيدرالية السوري، مع الأخذ بعين الاعتبار الذرائعية الأميركية اللامنطقية:

  1. تتذرّع أميركا في مكافحة الإرهاب الذي صنعته، وأن دور هذه القواعد مهم بالنسبة للعمليات العسكرية للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في سوريا.
  2. تأمين طرقات سريعة للإمداد والتموين والخدمات الأخرى المختلفة للقوات الأميركية والغربية بحسب ما تزعمه، ولكن الواقع هو الدعم المباشر للإرهاب بغية تحقيق التنافُس مع الروسي في المنطقة وإعادة سيناريو أفغانستان، خاصة بعد انطلاق العمليات العسكرية الروسية في 30 أيلول/ سبتمبر 2015، وإن كان خجولاً زمن باراك أوباما كأول تواجد عسكري أميركي على الأرض منذ بدء الحرب على سوريا، وتشكيل التحالف الدولي في آب/أغسطس 2014 بعد أحداث الموصل. قد بدأ يحظى بدفعة قوية من إدارة دونالد ترامب ليتّضح الهدف الرئيس الاستراتيجي هو التنافُس مع روسيا لتقسيم مناطق النفوذ في المنطقة العربية، ظل الانهيار الذي تشهده بعض الدول في المنطقة.

ومن كل ما ورد يُعتبر التواجد العسكري الأميركي في سوريا ضمن سياسة بسط النفوذ العسكري ومُسابقة الروسي لامتلاك قواعد جوية وصاروخية، تؤمّن لها تفوقاً استراتيجياً عالمياً، حيث إن طبيعة الجغرافيا السورية مناسبة لذلك بين الشرق والغرب وبين الشمال والجنوب. خاصة بعدما أدركت الولايات المتحدة الأميركية فقدانها أوراقها الإرهابية في الشمال السوري وتحديداً حلب، فقد سارعت إلى التحرّك في المنطقة الشرقية من سوريا وتحديداً منطقتي البادية والحدود السورية مع العراق، للسيطرة عليهما وفرض فصل استراتيجي بين العراق وإيران من جهة وبين سوريا ولبنان، حيث حزب الله من جهة أخرى.

فعملت أميركا على تنفيذ سلسلة القواعد العسكرية لتتّخذها خط فصل عسكري يعوّض فشلها في إقامة المنطقة الآمنة الفاصلة تمتد شمالي شرقي سوريا، قوس يمتد من"الرميلان إلى التنف" وقوس من التنف إلى منبج"، لكن الجديد هو اعتراف أميركا أخيراً وبعد إنكار بأنها تمتلك في شمال شرقي سوريا ثماني قواعد يجري بناؤها على طول الشريط الحدودي بين سوريا وتركيا، حيث يسيطر على غالبية هذه الحدود الكرد، ونشرت 800 جندي في القاعدة لدعم التحالف الدولي ليس لمكافحة الإرهاب إنما لتقويض سيادة ووحدة وسلامة أراضي سوريا وإطالة أمد الأزمة، ودعم تنظيم داعش الإرهابي بالعمل على إعادة هيكلته في إطار الميليشيات الانفصالية العميلة لواشنطن، فمن الناحية العسكرية لا معنى لوجود هذه القواعد الأميركية في سوريا، لأن أميركا تمتلك قواعد كبيرة في العراق وضمن بيئة جيّدة للأميركيين، ويمكن للسلاح الأميركي أن يصل إلى كافة مناطق العمليات العسكرية في سوريا الذي لا يستند إلى أية قاعدة قانونية.