المزيد من الضغط فلقد بدأ الصراخ
السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل كانت المعركة المحدودة التي جرت مؤخراً في غزّة بين العدوّ الإسرائيلي وبين فصائل المقاومة هي رسالة إيرانيّة مفادها بأن التهديد الإيراني لإسرائيل لن يتأثّر بانسحاب مستشاريها من الجنوب السوري؟
في لعبة عَضّ الأصابع يكون خاسراً من يصرخ أولاً وها نحن وقد بتنا نسمع بوضوح الصراخ الأميركي الإسرائيلي القادم من حدود سوريا الجنوبية، وبالتأكيد سيرتفع الصراخ مع ارتفاع صوت صرير سلاسل الدبابات السورية.
في الواقع إن محور المقاومة المدعوم روسياً لم يتفاجأ بهذا الصراخ، ولكنّ الطرف الآخر يبدو أنه تفاجأ بجلبة الجنود السوريين وقد اقتربوا من الحدود الجنوبيّة بعد أن أنهوا معارك الداخل، ولذلك رأينا الأميركي والإسرائيلي يتنازلان عن خطوطهما الجنوبيّة الحمراء، ليصبح مطلبهما الوحيد هو ألّا يكون هناك أيّ تواجد للمقاومة اللبنانيّة أو للقوات الإيرانيّة على تلك الحدود، مقابل سحب جماعاتهما المسلحة وترك الحدود بالكامل تحت سيطرة الجيش السوري، فما هي أسباب هذا الصراخ وفي هذا الوقت تحديداً:
- السبب الأهم هو القرار السوري الحازِم بتحرير كامل الحدود الجنوبيّة والعودة إلى خطوط ما قبل الأزمة السوريّة بما في ذلك الحدود مع الأردن وصولاً حتى التنف.
- القرار الروسي بإخراج الأطراف التي دخلت إلى سوريا بطريقة غير شرعيّة، وهذه الخطوة هي بداية لانسحاب بقيّة الأطراف ومنها الأميركي الذي أصبح على قناعة بأنَّ القرار الروسي قد اتُخذ وأن التعابير والتصريحات الدبلوماسيّة ما هي إلّا لإيصال هذا القرار بأسلوب دبلوماسي لمن يعنيهم الأمر.
- الفائض البشري للجيش السوري الذي تشكّل بعد الانتهاء من تحرير معظم مناطق الداخل والتفرّغ لمعارك الحدود بالإضافة إلى فائض الثقة بالنفس الذي تكرّس بعد نجاحه بصدّ العدوان الثلاثيّ، وبعد نجاحه برسم قواعد اشتباك جديدة مع العدو الإسرائيلي.
- الملفات الأميركية الضاغطة والتي تحتاج إلى حلول سريعة، ولسوء الحظّ الأميركي فإنَّ دوراً فاعلاً لروسيا في معظم هذه الملفات، من الملفّ الكوري إلى الملفّ الإيراني إلى الملفّ اليمني، ولعل أكثر هذه الملفّات قلقاً هو ذلك المرتبط مع الدول الأوروبيّة التي بدأت تتمرّد على القرار الأميركي بعد انسحابه من الاتفاق النووي مع إيران.
- الانتفاضة الفلسطينيّة التي اندلعت بعد قرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس، والتي بدأت تتنظّم وتتّسع وتتحرّر من القيود.
- المقاومة الشعبيّة التي تشكّلت في مدينة الرقة وريف دير الزور والتي بدأت تكبر وتوقع خسائراً في صفوف الجنود الأميركيين.
أمّا في ما يخصّ انسحاب المقاومة اللبنانيّة والقوات الإيرانيّة من الحدود السورية الجنوبية، لا بدّ من الفصل قليلاً بين الحالتين.
حالة المقاومة اللبنانية:
إنَّ السنوات التي قضاها حزب الله في سوريا حمّلته أعباء بشريّة وماديّة وسياسيّة وشعبيّة، باعتباره حزباً يمثّل شريحة لبنانية، وقد لقي دخوله في الحرب السورية معارضة من قبل شرائح لبنانية أخرى بعضهم متمثلٌ في الحكومة. هذه الأعباء سيتخلّص منها فور انسحابه من سوريا، والعودة إلى معركته الأساسيّة في الجنوب اللبناني.
ولعلّ الحرب على سوريا قد أفرزت بعض الإيجابيات كانت إحداها هي ترسّخ القناعة بين سوريا وحزب الله بأن حلفهما استراتيجي وعميق، تلك القناعة التي بدأت في حرب تموز عام 2006 عندما تلقّى حزب الله رسالة سوريّة تقول بأنَّ الجيش السوري جاهز لدخول الحرب بحسب توقيت حزب الله، كما جاء على لسان أمينه العام السيّد حسن نصر الله.
الحالة الإيرانيّة:
تختلف الحالة الإيرانيّة قليلاً عن حالة حزب الله، باعتبارها دولة تمثل كافة شرائح المجتمع الإيراني، وقد أتت إلى سوريا بطلب من حكومتها الشرعية، كما اقتصر تواجدها على الدعم السياسي والمادي لبعض الفصائل الحليفة للجيش السوري، بالإضافة إلى تواجد محدود لعدد من المستشارين الذين قد يتواجد بعضهم على الحدود السوريّة الجنوبيّة، ولكنّ إيران لن تعاني من نقلهم إلى الداخل السوري، أو حتى إلى بلادهم إن اقتضت الحاجة. لأنّ التهديد الإيراني لإسرائيل لا يرتكز في الجنوب السوريّ فقط، بل في عدة أماكن أخرى.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل كانت المعركة المحدودة التي جرت مؤخراً في غزّة بين العدوّ الإسرائيلي وبين فصائل المقاومة هي رسالة إيرانيّة مفادها بأن التهديد الإيراني لإسرائيل لن يتأثّر بانسحاب مستشاريها من الجنوب السوري؟