طائرة الأسد العائدة من "سوتشي" تحوّم فوق التنف
معركة تحرير التنف والرقة وشرق الفرات، ستكون قبل معركة تحرير إدلب وشمال حلب، لأنّ الأساس هو إخراج العدوّ الأميركي، وسنرى بعد ذلك أنّنا لن نحتاج إلى معركة لإخراج بقيّة الأعداء.
أصبح الجميع يدرك بأنّ أيّة زيارة يقوم بها الرئيس السوري بشّار الأسد إلى روسيا تكون لدراسة، ومن ثم اتخاذ قرار لأمرٍ في غاية الأهمية.
وحسب ما رُشِح إعلاميّاً بأنّه تمّت مناقشة عدّة مواضيع منها عمليّة السلام، والملف الإيراني والموضوع الاقتصادي وإعادة الإعمار، كذلك موافقة الرئيس الأسد على إرسال وفد حكومي إلى جنيف لمناقشة موضوع التعديل الدستوري، ولكنّنا ندرك بأنّ هذه الأمور لا تحتاج إلى زيارة من أعلى المستويات، وما تلك الزيارة إلا غطاء لأمر أهمّ، فموضوع الملفّ النووي الإيراني هو ملفّ ساخِن وتتمّ مناقشته بشكلٍ يومي بين مختلف الداعمين للجمهورية الإيرانية، وملفّ إعادة الإعمار والدعم الاقتصادي يسيران بتنسيق عالي المستوى وبإشراف لجان وخبراء من قِبَل كلتا الدولتين، كذلك موضوع تعديل الدستور هو موضوع مُتّفق عليه سابقاً بالإطار العام وإنّ البحث في المزيد من تفاصيله لا يستدعي ذهاب الرئيس الأسد إلى روسيا.
ولكي نستطيع القراءة الصحيحة علينا مراجعة ما حدث خلال الأيام القليلة الماضية:
- الاختلاف الحاد بين الولايات المتحدة وبين الدول الأوروبية حول الملفّ النووي الإيراني والذي قد يبدو مؤقتاً ولكنّه سيستمر وقد يتطوّر في المدى المنظور.
- الضعف الأميركي الذي تجلّى في فشل العدوان الثلاثي على سوريا، كما في ترك إسرائيل وحيدة في معركة الصواريخ السورية الأخيرة، والآن يتجلّى بالقراءة الخاطئة لردّة الفعل الفلسطينيّة نتيجة قرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس، والتي لم يتوقّع الأميركيون والإسرائيليون أن تكون بهذه القوّة وهذا الزخم ولا حتى بهذا الصدى والتعاطف العالميين.
- القرار الروسي بمناوبة دائمة لقطع عسكريّة بحريّة في البحر الأبيض المتوسّط وذلك لكي تكون صواريخ "كاليبر" جاهزة للعمل بشكلٍ مؤثّرٍ وعلى مدار الساعة.
- التركيز السوري الروسي الحالي على التواجد الأميركي غير المشروع في سوريا وعلى دور قاعدة التنف الأميركية في دعم الفصائل الإرهابيّة، وكذلك التركيز على أن أميركا تعمل شرق الفرات على إعادة إحياء خلافة "داعش" وهذا ما جاء على لسان الناطقة بإسم الخارجية الروسية.
- إبعاد العامل العسكري الإسرائيلي عن أيّ عمل عسكري سوري على الحدود السورية الأردنية وصولاً إلى التنف وذلك من خلال قواعد الاشتباك الجديدة التي رسمتها سوريا خلال المعركة الأخيرة مع إسرائيل.
- الأخبار الجيّدة التي تسرّبت بعد مؤتمر "سوتشي" الأخير وقد بدا الارتياح السوري واضحاً بعد المؤتمر، وهذا ما عكسه تصريح الدكتور الجعفري رئيس الوفد السوري المفاوض، الذي تجنّب وللمرّة الأولى انتقاد الدور التركي.
- المرونة التركية المُلفِتة في التعامل مع الملف السوري والتي تجلّت في تعليماتها للفصائل المسلّحة بالتراجع شمالاً والموافقة على فتح طريق دمشق – حلب – عنتاب، كما تجلّت في المساعدة بتحرير ريفيّ حمص الشمالي وحماه الجنوبي ومن دون أيّة معارك، وتتجلّى بشكلٍ كبيرٍ في الاغتيالات الكثيرة التي تطال قادة مجموعات مسلّحة تمهيداً لإضعاف الجميع وتشكيل جسم مسلّح واحد يمكن قيادته من قبلها في أيّة مفاوضات مقبلة.
- وصول المعارضة إلى مرحلة من الوَّن تجعلها على استعداد للسير في الحل السياسي، وظهر ذلك في التصريح المُفاجئ لرئيس وفد المعارضة والذي قال بأنّ المعارضة أخطأت بحمل السلاح وبأنّها لم تسعَ لتكون بديلاً عن السلطة في دمشق.
- وهناك عاملان في غاية الأهميّة، وهما فوز محور المقاومة في الانتخابات النيابيّة اللبنانيّة، كما الصمود الإيراني في وجه الضغوط الأميركية في ما يخصّ الملفّ النووي، بل وتحويل الانسحاب الأميركي منه إلى فرصة للاستثمار الإيراني في هذا الانسحاب بدلالة الشرخ الذي بدأ يتوسّع بين الولايات المتحدة الأميركية وبين معظم الدول الأوروبية. فهذان العاملان أعطيا ارتياحاً وهامشاً واسعاً لتحرّك محور المقاومة والحليف الروسي.
والسؤال المطروح وبقوّة الآن هو هل كانت زيارة الرئيس الأسد إلى "سوتشي" هي لبحث المواضيع التي تسرّبت في الإعلام، أم أنّها كانت للتحضير العملي لإنهاء الدور الأميركي في سوريا؟
وهنا تطفو الفرضيّة الأقرب للمنطق والتي تقول بأن معركة تحرير التنف والرقة وشرق الفرات، ستكون قبل معركة تحرير إدلب وشمال حلب، لأنّ الأساس هو إخراج العدوّ الأميركي، وسنرى بعد ذلك أنّنا لن نحتاج إلى معركة لإخراج بقيّة الأعداء، فمع سقوط العدو الرئيسي والكبير تتساقط وبشكلٍ آلي كلّ الأدوات المحليّة والعربيّة والاقليميّة.