الحكومة التونسية تستهدف القطاع العام تطبيقاً لشروط صندوق النقد الدولي: الشركة التونسية للكهرباء والغاز نموذجاً

حكومة "يوسف الشاهد" ماضية في تنفيذ إملاءات صندوق النقد الدولي وعلى رأسها خصخصة المؤسّسات العمومية وتجميد الأجور والانتداب والتقليص من عدد عمال الوظيفة العمومية، إلى جانب تقليص موارد صندوق دعم المواد الأساسية، فضلاً عن البند الأبرز المُتمثّل في "إصلاح المؤسّسات العمومية الخاسِرة والتي تعاني خللاً مالياً وكلفة مالية عبر خصخصتها"، حيث تزعم الحكومة بأن الخصخصة ستوفّر أرباحاً للدولة تؤمّنها هذه المؤسّسات، وذلك عبر الضرائب التي سيدفعها القطاع الخاص.

هذه المطالب التي يناضل لأجلها باستماتة عمّال الشركة التونسية للكهرباء والغاز تأتي في وقتٍ تزرح فيه تونس تحت وطأة الضغوطات الاستعمارية

منذ الانطلاقة المُظفرّة لثورة 17 ديسمبر 2010 التي توّجت بخلع رأس النظام "زين العابدين بن علي" ، و بعد أن نجح اليمين الليبرالي في إعادة السيطرة على دواليب الدولة وإنعاش نظامه بتحالفٍ مع اليمين الديني المُتغلّف بالمدنيّة والحداثيّة ، ورغم عديد المكاسب التي حققّها الشعب التونسي خاصة على فرض الحريّات السيّاسية والمدنيّة بنسبةٍ جزئية وحريّة التعبير والإعلام ، رغم أن الحملات الارتدادية متواصلة من الأحزاب الحاكمة الممّولة من لوبيّات الفساد في تونس ، إلاّ أنها مكاسب تتكرّس كل يوم أكثر من مرّة في عقليّة ونفسيةّ الشعب التونسي .

هذه المكاسب قابلها تردّ خطير في الوضع الاقتصادي والاجتماعي على اعتبار التوجّه الليبرالي الذي اعتمدته الدولة التونسيّة منذ السبعينات ، وقد جعل تونس "التلميذ النجيب" في تنفيذ إملاءات الصندوق الوطني ، ووصفها عدد من القادة الأروبيين بأنها "معجزة اقتصادية" ، وفي لمحة تاريخية لا بدّ من الإشارة إلى الأنموذج الاقتصادي العالمي الذي سيطر في فترة الأربعينات إلى حدود التسعينات من القرن الماضي ، كان قائماً على تدخّل الدولة في الاقتصاد الوطني لتعديله. وكان الهمّ الأول هو الحد من نسبة البطالة وإن كان على حساب الاستقرار المالي، حيث تقوم الدولة بالاستثمار ودفع النمو الاقتصادي. ذلك أن خلق مواطِن الشغل يؤدّي إلى ارتفاع الدخل الفردي وهو ما يدفع عملية الاستهلاك بما يرفع في الطلب وللاستجابة لهذا الطلب الإضافي تنمو الاستثمارات وتحقق بذلك النمو الاقتصادي (لابدّ من الإشارة إلى أن العملية ليست ميكانيكية ومباشرة ذلك أن النموذج الاقتصادي يختزل الواقع بشكلٍ رهيب) ، هذا التوجّه قد حققّ نتائج اقتصادية واجتماعية مميّزّة .

في نقيضِ ذلك وعلى إثر أزمة السبعينات، تحوّل العالم إلى "الليبرالية" أي هي الانسحاب التام للدولة من المجال الاقتصادي و "تحرير" السوق الذي سيجد بآلياته الخاصة توازنه الطبيعي. وهكذا شرعت الحكومات في التفويت في القطاع العام وكفّت عن الاستثمار وتراجعت عن مهامها الاجتماعية وأصبح لكل حركة ثمن.

بعد هذا التصدير يهمنّي أن تصاعد الخطى حول الحديث عن" اتفاق التبادل الحرّ الشامل والمعمّق" (Accord de libre échange complet et approfondi  :ALECA).

هذا الاتفاق يُعتبر ثاني أكثر برنامج منهجي مُدمّر للاقتصاد الوطني التونسي بعد برنامج الإصلاح الهيكلي الذي وقع تطبيقه بداية من سنة 1986، والذي تسبّبّ في غلق آلاف المؤسّسات والمصانع وطرد مئات الآلاف من العمّال وتعميق عدم التوازن بين الجهات  ومشاكل الفقر والتهميش .

 

عديدة الشركات العمومية أو لنقل ما تبقّى منها والتي كانت صرحاً من صروح الاقتصاد الوطني، تمرّ اليوم الشركة التونسية للكهرباء والغاز  بأزمةٍ خانقةٍ على المستوى المالي  والهيكلي ، ولم يعد خافياً أنّ المُتسببّ الرئيسي في هذه الوضعيّة الخطيرة هو حكومة اليمين الليبرالي برئاسة "يوسف الشاهد" والذيّ ما انفكّ على غِرار سابقيه باستهدافٍ وقحٍ عبر التكتيك لإفلاسها، فالأرقام الأخيرة مُفزعة  حيث أن ديون الشركة التونسية للكهرباء والغاز بلغت حوالى  1100 مليون دينار منها 60 % متخلّدة بذمّة المنشآت والدواوين والوزارات، هو ما يُبيّن تلكؤ الحكومة في أن تستخلص الشركة أموالها و40%متخلّدة بذمّة المواطنين،   كما أن الدولة لم تلتزم بالدعم المرصود في الميزانية لفائدة الشركة منذ سنة 2015 إلى حدّ اللحظة ، وهو ما أثرّ سلباً على توازناتها الماليّة  ، كما أنّ شبح الفساد في إسناد عقد طلب عروض لأحد المستثمرين يتعلّق بمحطة توليد الكهرباء المرناقية لم يبرح مكانه ، كما أضحى من الجليّ أن الدولة ترفع الدعم تدريجاً على قطاع الكهرباء ما سيؤدّي إلى تدهور القدرة الشرائية للمواطن والتوازنات المالية للمؤسسة.

يُذكر أن الإضراب الذي سيقوم به عمّال الشركة التونسية للكهرباء والغاز "مؤجّلّ" منذ محضر اتفاق ممضى يوم 15 جانفي 2018 بين الاتحاد العام التونسي للشغل والحكومة ،  وهذا الإضراب يأتي لأجل تفعيل محضر الاتفاق الممضى في وقتٍ سابقٍ ومحوره كالآتي

1)صرف مستحقات الشركة من الدعم المرصود لها على أقساطٍ يتضمّن كل قسط منها 25% من قيمة الدعم في غرّة فيفري وغرّة جويلية وغرّة أكتوبر وموفى ديسمبر.

2)    استخلاص الشركة لديونها العمومية رغم تعهّد وزيري المالية والطاقة وكاتب الحكومة  بحمل كافة المنشآت العمومية على سداد كافة الديون المُتخلّدة بذمّتها والمسجّلة على ضوء محاضر الاعتراف بدَينٍ قبل تاريخ 31 ديسمبر 2017 لفائدة الشركة التونسية للكهرباء والغاز، وفي حال عجز تلك المنشآت والإدارات عن خلاص ديونها ستتكفّل الحكومة بخلاصها.

3)الرجوع إلى طريقة شراء الغاز المُعتمَدة قبل تاريخ جانفي 2015.

4)فتح تحقيق في صفقة إسناد محطة إنتاج الكهرباء بالمرناقية بعد شُبهات "الفساد" التي تحوم حول كيفية إسناد الصفقة.

هذه المطالب التي يناضل لأجلها باستماتة عمّال الشركة التونسية للكهرباء والغاز تأتي في وقتٍ تزرح فيه تونس تحت وطأة الضغوطات الاستعمارية الساعية لفرض السياسات التي تخدم مصالحها ، وعدم مصارحة حكومة يوسف الشاهد الشعب بحقيقة وخطورة الأوضاع الاقتصادية و المالية المُترتّبة عن تمسّكهم بسياسات سابقيهم .

بالموازاة فإن حكومة "يوسف الشاهد" ماضية في تنفيذ إملاءات صندوق النقد الدولي وعلى رأسها خصخصة المؤسّسات العمومية وتجميد الأجور والانتداب والتقليص من عدد عمال الوظيفة العمومية، إلى جانب تقليص موارد صندوق دعم المواد الأساسية، فضلاً عن البند الأبرز المُتمثّل في "إصلاح المؤسّسات العمومية الخاسِرة والتي تعاني خللاً مالياً وكلفة مالية عبر خصخصتها"، حيث تزعم الحكومة بأن الخصخصة ستوفّر أرباحاً للدولة تؤمّنها هذه المؤسّسات، وذلك عبر الضرائب التي سيدفعها القطاع الخاص.

ويُذكر أن الاتحاد العام التونسي للشغل قد دعا في اجتماعه في صفاقس يوم 15 نيسان/أفريل 2018 إلى التصدّي إلى نيّة الحكومة التفويت في بعض المؤسّسات العمومية التي تمر بصعوبات مالية  ومشاكل تسييرية .