العدوان الثلاثي على سوريا.. أسباب ونتائج
بعد عدّة أيام من الاشتباك الدبلوماسي والسياسي بين محور العدوان الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية من جهة، وبين محور المقاومة المدعوم روسيّاً من جهة أخرى.
وذلك على خلفية المزاعم التي ساقها المحور المعادي والذي يوجه من خلالها الاتهام إلى سوريا باستخدام السلاح الكيميائي في مدينة "دوما"، وبعد المستوى العالي جداً من التهديد والوعيد أقدمت الولايات المتحدة الأميركية ومَن معها على تنفيذ اعتداء جوّي على مواقع في سوريا، ولسنا هنا بصدد مناقشة حجم هذا الاعتداء وآثاره على الأرض... ولكن سنحاول البحث عن أسبابه غير المباشرة لأن السبب المباشر المزعوم هو سبب لم يقنع حتى الذاهبين بعدائهم للدولة السورية لحد مرحلة تغييب العقل بشكلٍ كاملٍ، ولكننا هنا سنحاول استنتاج أسباب هذا العدوان ونتائجه.
لعلّ أبرز أسباب هذا العدوان هو تطويق مفاعيل النصر الذي حقّقه الجيش العربي السوري مع حلفائه والمُتمثل بتحرير الغوطة الشرقية، إذ أنه وبعد جلاء الصورة عن الغوطة يتّضح حجم الدعم الذي كانت تتلقّاه الفصائل المسلحة هناك، كما يتّضح أن المحور المعادي كان يراهن على صمود هذه المنطقة بل كان يبني عليها آمالاً كبيرة لكي تحقق أهدافهم، وبأن تكون هي القاعدة التي سيتم الانطلاق منها لدخول العاصمة دمشق، وبتحريرها وبهذه المدة الزمنية القصيرة تشكّلت قناعة راسِخة لدى المحور المُعادي على أن الجيش السوري سينتقل إلى تحرير بقية المناطق وبنفس السرعة والقوّة ولذلك أتى هذا العدوان في محاولة لفرملة اندفاع عمليات التحرير هذه.
السبب الآخر هو الضغط الإسرائيلي القوي على المحور المُعادي لكي يتدخّل وبأية طريقة لإبعاد التواجد الإيراني عن حدود فلسطين الشمالية، هذا التواجد الذي تعتبره إسرائيل خطراً وجودياً على كيانها، بدليل أن إسرائيل قامت قبل أيام من هذا العدوان بتنفيذ اعتداء جوّي على مكان تواجد خبراء إيرانيين في مطار الT4 في الريف الشرقي لمدينة "حمص" في خطوة لدفع إيران إلى الرد ما يذهب بالمنطقة إلى مواجهة شاملة، ولكن إيران تنبّهت للفخّ الاسرائيلي وتريّثت في الإقدام على مواجهة آتية ولكن لم يحن أوانها .
السبب الثالث هو حاجة الرئيس الأميركي "ترامب" لأية خطوة توقف الحبال الداخلية التي بدأت تكثر وتقترب منه على خلفية فضائحه المالية والأخلاقية.
ومن الأسباب أيضاً استكمال الابتزاز الأميركي لدول الخليج وبوتيرة أسرع وأكثر فاعلية وخاصة بعد دخول كل من بريطانيا وفرنسا على هذا الخط .
ولعلّ من أهم الأسباب هو توتير المنطقة وإشغال كافة الأطراف فيها في محاولة منهم لتمرير ما يسمّى بصفقة القرن التي تتم من خلالها تصفية القضية الفلسطينية بشكل كامل ونهائي.
أما عن النتائج فإنها وبرغم هذا التحشيد العسكري والإعلامي الكبيرين كانت نتائج متواضعة جداً على المستوى التكتيكي وتساوي الصفر على المستوى الاستراتيجي وستتحوّل مع مرور الوقت إلى أوراق يستخدمها خصوم "ترامب" في الداخل الأميركي لرفعها في وجهه في الوقت المناسب. إذ أن هذا العدوان لم يحقق أي إنجاز على الأرض ولم يرق حتى لأن يكون نصراً إعلامياً، ولا صحة لما يقال بأن دول العدوان كانت تريد من عدوانها أن يكون عدواناً محدوداً، بل كانت تسعى لأن تحقّق من خلاله أكبر بكثير مما تحقّق بدليل استخدامهم لأحدث الصواريخ ، وبدليل انطلاقهم في عدوانهم من مناطق يصعب على الدفاعات الجوية السورية التعامل معها ، وبدليل أن الأهداف التي كانت ضمن الخطة هي أكثر من تسعة أهداف لم يصلوا منها سوى إلى هدف أو إثنين.
ومن النتائج أن هذا العدوان أتى بمفعول عكسي وخاصة على مَن كانوا يعوّلون عليه وبالأخصّ إسرائيل ودول الخليج الذين أزعجهم إن الأميركي لم يجرؤ على أن يضع أي تواجد إيراني ضمن الأهداف التي تم قصفها، ومما زاد في إزعاجها هو تصريح "ترامب" وبعد هذا العدوان بأنه قد يتعاون مع روسيا وإيران مستقبلاً.
ولعلّ الفضيحة الكبرى هي أن السلاح المتطوّر الذي تم استخدامه من قِبَل أقوى ثلاث دول في محور شمال الأطلسي، هذا السلاح سقط أو تم إسقاطه قبل أن يصل إلى أهدافه وذلك من خلال دفاعات جوية سوريّة ومن أجيال قديمة وهذا ما سيزيد حال عدم الثقة بالصناعات العسكرية الغربية والأميركية.
وربما يكون كشف القدرات الحقيقية للدفاعات الجوية الروسية – السورية، وخاصة الصواريخ S400 أو حتى ال S300 ربما يكون ذلك تمنٍ أميركي - إسرائيلي لم تستطيعا نيله .
ومن النتائج الهامة ظهور التنسيق والتناغم ضمن أطراف محور المقاومة وأيضاً مع روسيا وضمن أحلك الظروف ، والتأكيد بأن أي طرف من أطراف هذا المحور هو جاهز للذهاب في دفاعه عن أي طرف آخر في هذا المحور ومهما تكن النتائج.
أيضاً ومن النتائج الهامة هو ذلك القرار الروسي الذي يقضي بتطوير سلاح الدفاع الجوّي السوري ليكون قادراً على صد أيّ عدوان في المستقبل ومهما تكن قوّة الطرف المُعتدي.