نظرية الصدمة

ناعومي كلاين أستاذة الاقتصاد السياسي خرجت علينا في العام 2009 بكتابٍ إسمه (عقيدة الصدمة صعود رأسمالية الكوارث ) تبدأ فيه بالحديث عن مدرسة شيكاغو للاقتصاد وميلتون فريدمان الداعِم لرأسمالية متوحّشة وكاره لنظرية كينزي ( الرأسمالية الاجتماعية ).

كأن مَن يُدير العالم هو مَن يُقرّر صيحات الموضة في الأزياء والفكر والأدب والفن وكذلك السياسة والدين

لفت نظر الأستاذة ناعومي أن الإدارة الرأسمالية الأميركية استقطبت عدداً من طلاب العالم الثالث لدراسة الاقتصاد في مدرسة شيكاغو الاقتصادية، وعادوا إلى بلدانهم يتولّون المناصب وينصح بتوظيفهم البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، ويتمتّعون بحماسٍ شديدٍ لتطبيق ما تعلّموه من مدرسة شيكاغو.
وتضرب مثلاً بنخبة ما بعد سلفادور الليندي تلك التي تولّت السلطة في عهد بينوشيه والتي سبّبت أضراراً بالغة باقتصاد شيلي بطبيعة الحال يتكرّر هذا النموذج في كل بلدان العالم الثالث المنكوب بمثل هذه النُخَب. وفي نفس العام يُصدِر أستاذ الفلسفة السياسية الكندي ألان دونو كتابه (سلطة التافهين –الميدوكرات ) وهذا النظام الذي كرّس تركيز الثروة والسلطة في أيدي قلّةٍ قليلة من البشر على حساب الكوكب.
كتاب (آخر العمالقة للأميركي سايروس سالزبرجر ) وهو كتاب صدر في العام 1973 يرصد فيه عمالقة المسرح السياسي العالمي أمثال ونستون تشرشل وجوزيف ستالين وشارل ديغول ودوايت إيزنهاور وجوزيف بروز تيتو ونهرو وجمال عبد الناصر، ويشير إلى أن خلفاء هؤلاء العمالقة لا تستطيع إلا أن أن تصفهم بالتافهين.
وكأن مَن يُدير العالم هو مَن يُقرّر صيحات الموضة في الأزياء والفكر والأدب والفن وكذلك السياسة والدين. منذ بداية السبعينات تقود العالم مجموعة من الموظفين يُسمّيهم ألان ينو الميدوكراتس (التكنوقراط التافهين). كذلك في السبعينات ظهرت مدرسة اقتصادية حصيفة للغاية هي مدرسة يمثلها المصري النابه سمير أمين ومعه كاردوسو وسانتوس من أميركا اللاتينية، وهي مَن تنبّهت إلى أن العالم ينقسم إلى (مراكز) نهب عالمي ينهب (أطرافاً) تابعة ومقهورة، وهو شكل جديد من أشكال الاستعمار حلّ محل الاستعمار الكلاسيكي.
وبطبيعة الحال فإن (المراكز ) تنقسم إلى (مراكز وأطراف)، فالولايات المتحدة مثلاً كمركز نهب تنقسم إلى طبقة تمتلك وتحكم قليلة العدد هي المراكز والأغلبية المقهورة هي الأطراف.
وكذلك الأطراف (بلدان العالم الثالث تنقسم إلى مراكز وأطراف داخل نفس البلد) طبقة قليلة تمتلك وتحكم والأطراف أغلبية الشعب المقهور.
لاحظ (ألان دينو) أن أستاذ عِلم نفس كندي كان يُجري أبحاثاً على مجموعة من المرضى النفسيين، أولئك الذين تعاني ذاكرتهم من تجارب مؤلمة تجعلهم غير قادرين على مواصلة العيش، فكانت تجاربه بوسائل مُتعدّدة تقوم على محو ذاكرة هؤلاء المرضى، ثم حشو هذه الذاكرة بأفكارٍ وتجارب مُتصوّرة غير حقيقية تجعل هؤلاء المرضى قادرين على مواصلة العيش.
حين تنبّهت وكالة المخابرات الأميركية لجدوى هذه التجارب بدأت في تبنّيها والإنفاق عليها ومحاولة تطبيقها على شعوب بلدان المراكز والأطراف.
قارن بين القيادات التاريخية في العالم وبين تلك الشخصيات الباهِتة التي لا حضور ولا فكر ولا قيمة لها على الساحة. حاول مع شريحة المصريين من سن أربعين عاماً وأقل واسألهم عن عيد الاستقلال في مصر ؟ متى هو ؟ أليس كل بلد في العالم له تاريخ وذاكرة يحتفل بعيد الاستقلال ؟ بطبيعة الحال لن تجد إجابة لأن ( الاستقلال كقيمة) لا تعريف له في وجدان وإدراك هؤلاء مُزيّفي الوعي مُشوّهي العقلية. هناك مدرسة فكرية مُتكاملة قائمة على تزييف وعي الناس ونفي وجود الظاهرة الاستعمارية من الأساس، ومحاولة تحميل مسؤولية التخلّف للمقهورين والمُستغَلين والفقراء.

يترافق ذلك مع التنمية البشرية والتي في جوهرها محاولة صوغ نظرية تؤكّد أن الفرد الذي لا يمتلك مؤهّلات لا يمكن أن يجد عملاً، وإذا امتلك عملاً لا يُدرّ دخلاً يجعله قادراً على العيش، فهذا لأن قصوراً في قدراته يتوجّب عليه أن يدفع كلفة هذه الدورات السمجة، التي هي عبارة عن كلمات باردة ونصائح تخديرية لا تضيف للإنسان شيئاً في حياته. كان لابدّ لمراكز النهب الرأسمالية وقد أنجزت المهمة بتخدير الناس من أن تقوم بخلق ما يُسمّى بمنظمات المجتمع المدني. هذه المنظمات بطبيعة الحال مموّلة من المراكز الرأسمالية ومهمتها الاهتمام بحقوق المرأة في الإنجاب خارج مؤسّسة الزواج، وحرية المثليين وكذلك حقوق الأقليات الإثنية والعرقية للمساهمة في إحداث تشظّي الدولة الوطنية إذا دعت الحاجة إلى ذلك.