اتفاق سرّي: عفرين مقابل الغوطة الشرقية؟
كل الشواهد تدعونا إلى استلخاص التالي: هنالك اتفاقات سرّية في أستانا حول عفرين برعاية المارد الروسي، الذي أحسن التخطيط و يحسنه في سوريا، ستكون الدولة السورية والنظام فيها هما الرابح الأكبر من خلال تأمين عاصمتها ووقف القذائف التي كانت تنهال عليها بين فترة و أخرى، و فتح العاصمة على ريفها اقتصادياً واجتماعياً و أمنياً، و توسيع رقعة سيطرة الدولة وتأمين المطار والمرافق الحيوية. أما عن عفرين فنعتقد بأن الاتفاقات والمصالحات ستطالها، وأن تركيا ستخرج منها، بعد أن تثبّت مواقع مسلحيها ليصار إلى المصالحة مع نظامهم كخطوة ثانية وبرعاية روسية. أما الخاسِر الأكبر، كما توقّعنا قبل، هم الكرد الذين حلموا باستقلال فعلي أو ذاتي.
منذ بدء العملية العسكرية التي أطلقها الجيش العربي السوري في الغوطة وقبل وبعد تباكي مؤسّسات الأمم المتحدة على أهل الغوطة، فتح الجيش السوري معابر لإجلاء المواطنين الراغبين بالخروج بعدّة معابر منها الوافدين و حمورية، ولكن لم يُسجّل خروج للمواطنين إلا عندما نضج الاتفاق بين تركيا الراعي للمجموعات في الغوطة والنظام السوري. فما الشواهِد التي دفعتنا إلى هذا الاستنتاج؟
أولاً، بدء توافد المواطنين وسماح المسلّحين لهم بالخروج تزامن مع خروج المدنيين من عفرين بعد ما يقارب 15 يوماً على فتح الجيش المعابر منذ ساعات الصباح حتى الثانية ظهراً، و بعد ما يقارب الـ 50 يوماً على بدء عملية غصن الزيتون التركية، كان فيها العفرينيّون ثابتين وواثقين من أنفسهم.
ثانياً، ومنذ بدء الأحداث السورية، خرج النظام من عفرين وسلّم مقراته لوحدات الحماية بعد اتفاق على ما يظهر، أخلّ به الجانب الكردي حسب وجهة نظرنا و حاول اعتماد نظام جديد على المدينة وعلى ريفها (وفق تقارير إعلامية من المدينة)، نظاماً كان سيصعب على الدولة السورية تغييره وانتزاعه إلا بتفريغ المدينة من جديد وتدمير الأركان التي بنيت عليها، وإتلاف القوانين وهذه طبعاً مهمة سهلة للمجموعات المسلحة التابعة لتركيا والتي دخلت مع جيشها إلى المدينة ولها، أي تلك المجموعات، تاريخ حافل تشهد له العديد من المدن و البلدات السورية.
ثالثاً، إن عفرين وريفها، كما و كل منطقة غرب الفرات، لم تستطع أن تصله اليد الأميركية بشكل عسكري مباشر، لذا فإنه من السهل على الدولة وعلى تركيا تغيير وجه المنطقة السياسي، ولا نقول إن التغيير سيكون ديموغرافياً، فلا نعتقد أنه بإمكان أي جانب تغيير ديموغرافية المنطقة. كل ما في الأمر أن مصلحة تركيا، وسوريا أيضاً، هي بأن ترجع الأمور إلى ما قبل العام2011.
رابعاً، إن عفرين كانت منطقة خالية من أي وجود عسكري أو أمني سوري، بعكس الحسكة مثلاً أو القامشلي، فالوجود الأمني السوري ما زال قائماً و ما زالت الدولة تمارس سلطتها الأمنية هناك بغضّ النظر عن وجود بؤر أمنية ومربّعات لوحدات الحماية، كفرض رسوم وإعطاء رُخَص قيادة... الخ بعكس عفرين.
خامساً، إن عفرين هي منطقة ذات أغلبية ساحِقة كردية عكس الحسكة والقامشلي وريفيهما، لذا وبعد إعلان الكرد فيدراليتهم سيكون إرجاع الأمور إلى حالها الأولى من الصعب تحقيقه إلا من خلال خلط الأوراق. وخلطها لم ولن يكون إلا من خلال تدخّل تركي، فالدولة لا تستطيع محاربة مواطنيها إذا لم يشهروا سلاحاً تجاهها، ولن يكون من السهل على الدولة أن تفرض سلطتها إلا بالقوّة ولن يقبل بذلك الرأي العام العالمي.
سادساً، لم يدخل الجيش العربي السوري على خط المواجهة ولم يزجّ بقواته إلى المدينة وهذا حقه الطبيعي بالمُدافعة عن أرضه، وأن المجموعات الشعبية وبعددها المتواضع لن تمثّل الجيش السوري كما يمثّل الأخير نفسه. كما ولم يكن هنالك غطاء جوي روسي لها ولا للكرد كما يفعل عادة مع حلفائه بدليل على أن النظام يريد لتركيا المضّي قدماً بعمليتها العسكرية.
كل الشواهد تدعونا إلى استلخاص التالي: هنالك اتفاقات سرّية في أستانا حول عفرين برعاية المارد الروسي، الذي أحسن التخطيط ويحسنه في سوريا، ستكون الدولة السورية والنظام فيها هما الرابح الأكبر من خلال تأمين عاصمتها ووقف القذائف التي كانت تنهال عليها بين فترة وأخرى، وفتح العاصمة على ريفها اقتصادياً واجتماعياً وأمنياً، وتوسيع رقعة سيطرة الدولة وتأمين المطار والمرافق الحيوية. أما عن عفرين فنعتقد بأن الاتفاقات والمصالحات ستطالها، وأن تركيا ستخرج منها، بعد أن تثبّت مواقع مسلحيها ليصار إلى المصالحة مع نظامهم كخطوة ثانية وبرعاية روسية. أما الخاسِر الأكبر، كما توقّعنا قبل، هم الأكراد الذين حلموا باستقلال فعلي أو ذاتي. فهل جنت على نفسها براقش؟ وهل ستصدق توقعاتنا؟ وهل سيعطي ذلك دفعاً معنوياً للجيش السوري وللنظام باسترجاع كامل التراب السوري؟ وماذا عن الرقة أو حتى عن الجنوب؟ أسئلة سيكشفها القادم من الأيام. أما المؤكّد فإن الرياح تمشي بما تشتهيه سفن النظام السوري وأن التاريخ سيثبت بأن الكفّ الروسية حليفاً أفضل من الكف الأميركية، قديماً ربما قبل وبعد حرب تشرين إلى يومنا هذا!