حكاية أسيرة موجوعة
لماذا اتّهم الصهاينة إسراء بالشروع بالقتل عند هذا الحاجز بالذات؟ العديد من الأدلّة التي تؤكّد ما حدث مع إسراء هو حادث عادي، أما إسراء فهي الضحية التي أسرتها الشبكة العنكبوتية الإسرائيلية، التي حوّلت الحادث بدقائق إلى عملية استشهادية، وما أن استيقظت إسراء وجدت نفسها أسيرة في مستشفى هداسا رهينة حروق شديدة وتشوّهات تلاحقها إلى الأبد، إضافة إلى ذلك بتر أصابعها، أليست هذه العقدة في حكاية إسراء اتهامات لا دخل لها بها، حروق أكلت ونهشت جسدها، أسيرة لا تعلم موعد تحريرها.
مساء يوم الأربعاء 6 كانون الأول/ديسمبر 2017 أعلن ترامب رئيس الولايات المتحدة الأميركية القدس عاصمة إسرائيل ووجّه دعوته إلى وزارة الخارجية للبدء بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، وما هذه إلا إجراءات برتوكولية دولية إعلامية، أما على أرض الواقع فإن الدور الذي تقوم به السفارة في تل أبيب هو نفس الدور الذي تقوم به القنصليات في القدس وما هى إلا مسمّيات اختلفت في معانيها واتفقت في أدوارها، وفي ذات الوقت تتّبع إسرائيل كل الإجراءات والأساليب والوسائل لتهجير المقدسيين من المدينة المقدّسة، تارة تهدم بيوتهم بحجّة أنها غير مرخّصة، وتارة يقوم جنود الاحتلال باعتقال الفتيات المقدسيات، وتارة أخرى تقتل الفتيات الفلسطينيات على الحواجز ويبرّر جيش الاحتلال جريمته بتلفيق التهم تحت ما يُسمّى محاولة عملية طعن جنود إسرائيليين، ومرة أخرى بالاعتداء عليهن في باحات المسجد الأقصى من قِبَل جنود ومجنّدات الاحتلال، أما ما حدث مع الأسيرة المقدسية الفلسطينية إسراء الجعابيص فيختلف عن كل ما سبق.
قصة إسراء قصة تراجيدية مأساوية، ولربما تمتد إلى رواية تتعدّد أجزاؤها وفصولها، وإن كانت قد اكتملت أغراض القصة في حكايتها من ناحية اجتماعية وتاريخية ونفسية، وحسب البناء الفني للقصة فأحداثها واقعية 100 %، أما عناصرها فتمثلت في حب الأرض المقدّسة وحق العيش فيها، إسراء هي النجمة الأولى والأخيرة في القصة، المكان بالقرب من حاجز الزعيم في القدس، والتاريخ كان في يوم 11 تشرين الأول/أكتوبر 2015، حيث تبدأ الحكاية حين أرادت إسراء أن تنقل أغراضها من مدينة أريحا التي تقطن فيها هي وزوجها وابنها إلى القدس التي تعمل فيها للحصول على رقم هوية لابنها الوحيد معتصم.
إسراء مقدسية الأصل بنت جبل المكبر في القدس المحتلة، وأثناء السير في مركبتها الخاصة التي تعطّلت أكثر من مرة في الطريق إلى القدس وكان بداخلها تلفاز وأنبوبة غاز ومستلزمات أخرى خاصة بالبيت الجديد، وخلال السير قدَّر الله لبالون الهواء الخاص بمركبتها أن ينفجر بالقرب من حاجز الزعيم، حيث كان يبعد عن سيارتها 500 متراً، ما أدّى إلى إطلاق الجيش الإسرائيلى على مركبتها النار، وذلك تسبّب في انفجار الأسطوانة التي كانت بداخلها، ما تسبّب في إصابة إسراء بحروق شديدة، ورغم كل ما حدث لإسراء وكونها مقدسية انهال عليها سيل من الاتهامات الباطلة من النيابة العسكرية الإسرائيلية.
حيث وجّهت إليها تهمة الشروع في القتل، وتهمة التحريض على صفحات التواصل الاجتماعي بحجّة أنها تمجّد الشهداء الفلسطينيين، ومع أن ما حدث هو مجرّد حادث عادي ولا توجد لدى إسراء أية نيّة لتنفيذ عملية استشهادية أو أية محاولة لقتل جنود صهاينة، ودليل ذلك خروج رذاد أبيض في محيط مركبتها وهو ناتج من انفجار بالون الهواء، أيضاً وقوع الحادث على بُعد 500 متر من الحاجز الإسرائيلي، فلو كانت هناك أية نيّة لقتل إسرائيليين لما توقّفت السيارة على مسافة بعيدة من الحاجز، ولو أنها تريد أن تنفّذ عملية لما استقلّت مركبة وهي بنت القدس، إضافة إلى ذلك نقلها تلفاز ومستلزمات أخرى داخل سيارتها وليس أسطوانة غاز فقط كما ادّعى الاحتلال، ولربما تكون اجتازت أكثر من حاجز في الطريق من أريحا إلى القدس.
إذن لماذا اتّهم الصهاينة إسراء بالشروع بالقتل عند هذا الحاجز بالذات؟ العديد من الأدلّة التي تؤكّد ما حدث مع إسراء هو حادث عادي، أما إسراء فهي الضحية التي أسرتها الشبكة العنكبوتية الإسرائيلية، التي حوّلت الحادث بدقائق إلى عملية استشهادية، وما أن استيقظت إسراء وجدت نفسها أسيرة في مستشفى هداسا رهينة حروق شديدة وتشوّهات تلاحقها إلى الأبد، إضافة إلى ذلك بتر أصابعها، أليست هذه العقدة في حكاية إسراء اتهامات لا دخل لها بها، حروق أكلت ونهشت جسدها، أسيرة لا تعلم موعد تحريرها.
تتوالى الأحداث وتتجدّد العقوبات التي فُرِضت عليها من قِبَل الاحتلال وبتوصية من الشاباك، حيث حُرِمت من الزيارة ومُنِع إدخال الملابس والبطانيات لها وحُرِمت من الكنتين، وكل ذلك لأن عمّتها أطلقت زغرودة داخل المحكمة حيث انفعلت حين رأت إبنة أخيها بتلك الصورة، فإسراء الآن ليست إسراء زغرودة ألم ووجع وحرقة ولوعة، ويستمر الوجع وتستمر معاناة إسراء داخل سجن هشارون فقط لأنها مقدسية، فقد قام الاحتلال بمنع ابنها من زيارتها بحجّة عدم حصوله على لمّ شمل ولا يحمل هوية مقدسية، وتمضى الأيام إلى أن تُصدِر المحكمة المركزية في القدس المحتلة على الأسيرة إسراء حكماً بالسجن 11 عاماً ظلماً وبهتاناً.
السؤال الذي يطرح نفسه مَن أطلق النار على إسراء وتسبّب فى حرق جسدها بالكامل؟ أليس هو مَن يستحق الإدانة ويستحق المحاكمة على جريمته النكراء؟ إسراء التي تحوّلت إلى بركان يغلي من العذاب النفسي والجسدي فوجهها المشوّه وأصابعها المبتورة ستلعن كل مَن يتقاعس عن إنقاذها، إسراء ذات الوجه الجميل والشخصية المحبوبة والمُفعمة بالحيوية والأمل والتفاؤل التي طالما كانت خير رفيق للأطفال وخير جليس للمُسّنين، أصبحت الآن لا تستطيع أن تتناول الطعام ولا تستطيع أن تنام، لا تستطيع أن تدافع عن نفسها، لا تستطيع أن تحضن طفلها الوحيد والذي يعيش الآن مع جدتّه وخالاته في القدس.
حياتها أصبحت بلا طعم بلا لون بلا رائحة، ظلم يكتسيها من كل الجوانب، لا أطر حقوقية ولا صليب أحمر يستطيع أن يُغيّر جزءاً من تفاصيل حياتها القادمة، فالحل الأول والأخير أن يُطرح إسم اسراء على رأس كشوفات الأسرى المنوي تحريرهم ضمن أية صفقة تبادل ما بين المقاومة والاحتلال، ألا يكفيكم أنها اختصرت كل هذه التفاصيل التعيسة والحزينة بكلمة واحدة "موجوعة" داخل قاعة المحكمة، فالله معك يا ابنة جبل المكبر والله أكبر على كل مَن تكبَّر وأصدر حكماً بسجنك وتجبَّر.