فعالية قرار الجمعية العامة بشأن القدس وانعكاساته

استخدام حق النقض الفيتو من قبل إدارة ترامب هو نتاج الصيغة التي تضمّنها القرار، حيث لم يشر صراحة بأنه موجه ضد تصريح ترامب حول إعلان القدس عاصمة للكيان الإسرائيلي. خاصة في توجيه القرار مباشرة ضد ترامب من الناحية القانونية يمنعها من التصويت واستخدام حق النقض الفيتو. ومرد عمومية القرار يعود لأسباب تكتيكية مضمونها تجنّب الصِدام مع الولايات المتحدة الأميركية خاصة في ظل التناغم الأميركي المصري.

في ظل هذا الانتصار الأممي على منطق التهديد الذي مارسته الولايات المتحدة وإسرائيل، ينبغي على الفلسطينيين استثمار هذا الموقف الأممي

بخطاب مُتلفَز من البيت الأبيض في 6-12-2017، أشعل دونالد ترامب في تصريحه إعلان القدس عاصمة للكيان الإسرائيلي واتخاذ الإجراءات اللازمة لنقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى مدينة القدس، المحافل الاقليمية والدولية، وامتدت الاحتجاجات للشارع العربي والإسلامي، ورفعت رايات التنديد بهذا التصريح على المستوى الدولي. من منطلق الأحقية الطبيعية والقانونية و الدينية والتاريخية للأمّة العربية والإسلامية بالحفاظ على المقدّسات في مدينة القدس ومنع أية تغيّرات فيها.

وفي سبيل رفض هذا التصريح المتجاوز لكل الأعراف والمواثيق الدولية ، قدّمت مصر مشروع قرار لمجلس الأمن الدولي ينصّ على "أي قرارات وتدابير تهدف إلى تغيير هوية أو وضع مدينة القدس أو التكوين السكاني للمدينة المقدسة ليس لها أثر قانوني، ولاغية وباطلة ولا بدّ من إلغائها التزاماً بقرارات مجلس الأمن ذات الصلة". ولتنفيذ هذا المشروع يحتاج موافقة تسعة أعضاء مع عدم استخدام أي من الدول الأعضاء الدائمين (الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين) حق النقض. وفي الجلسة المنعقدة في 18 ديسمبر-كانون الأول-2017 تمت الموافقة على القرار بأغلبية 14 صوتاً، وتكريساً للعنصرية الأميركية المنحازة للصهيونية استخدمت إدارة ترامب حق النقض الفيتو لإسقاط مشروع القرار.

وكان استخدام حق النقض  الفيتو من قبل إدارة ترامب هو نتاج الصيغة التي تضمّنها القرار، حيث لم يشر صراحة بأنه موجه ضد تصريح ترامب حول إعلان القدس عاصمة للكيان الإسرائيلي. خاصة في توجيه القرار مباشرة ضد ترامب من الناحية القانونية يمنعها من التصويت واستخدام حق النقض الفيتو. ومرد عمومية القرار يعود لأسباب تكتيكية مضمونها تجنّب الصِدام مع الولايات المتحدة الأميركية خاصة في ظل التناغم الأميركي المصري.

على أثر إسقاط مشروع القرار، توجّهت السلطة الوطنية الفلسطينية، للجمعية العامة للأمم المتحدة  بدعوة من تركيا رئيس القمّة الإسلامية، واليمن ، رئيس المجموعة العربية في نيويورك. نيابة عن المجموعة العربية في الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي، بطلب عقد جلسة استثناية وفق القرار 377 (الاتحاد من أجل السلام) وقدّمت مشروع قرار يحثّ الولايات المتحدة على سحب اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل.

وفي 22-12-2017 اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً يرفض تصريحات ترامب حول إعلان القدس عاصمة للكيان الإسرائيلي.حيث أيّدت القرار 128 دولة وعارضته 9 فيما امتنعت 35 عن التصويت من أصل 193 دولة. وفي ظل هذا التصويت الأممي  لصالح فلسطين يُطرح تساؤل ما أهمية هذا القرار على المستوى السياسي والقانوني  في ظل إسقاطه أمام اجتماع مجلس الأمن؟  وانعكاسه على الولايات المتحدة الأميركية والكيان الإسرائيلي.

جاء التصويت على القرار المقدّم من قبل تركيا واليمن وفق القرار (377) لعام (1950) والمعروف "بالاتحاد من أجل السلام"، الذي يبحث القضايا الاستثنائية ويتيح وضع توصيات  ملزمة تراها الجمعية ضرورية من أجل استعادة الأمن والسلم الدوليين، وقد اتخِذ لأول مرة لحفظ الأمن والسلم الدوليين ومنع الاشتباك أثناء أزمة الكوريتين وكان العالم يشهد حينها صراع قوى شرقية وغربية أعقبت الحرب العالمية الثانية.

وفي هذا السياق يمثّل التصويت على هذا القرار ذات أهمية لما يشكّل:

  • انتصار للدبلوماسية الفلسطينية من الناحية السياسية وإحقاق للشرعية الدولية.على منطق القوة والمال الذي مارسته الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي.
  • هذا القرار على المستوى القانوني ملزم في ظل توافر الإرادة السياسية للدول لأنه صدر ضمن القرار 377 (الاتحاد من أجل السلام) المشار إليه سالفاً.مما يعني إلغاء تصريح دونالد ترامب وما يترتّب عليه.
  • التأكيد على أن فلسطين ذات أهمية بالوجدان العالمي، وبأنها ليست قضية معزولة عن العالم.
  • يمثل القرار رافعة قانونية وسياسية داعمة للحق الفلسطيني في تقرير مصيره بموقف دولي متجدّد.
  • شكّل هذا الإجماع ألأممي إقراراً على أن وجود إسرائيل في فلسطين، غير شرعي قائم على الباطل والعدوان.
  • عودة القضية الفلسطينية إلى رأس سلّم الأولويات في العالم، بعد تراجعها في ظل ثورات الربيع العربي.
  • يعكس هذا القرار نتائج نضال الشعب الفلسطيني منذ العام 1948.

ومن ملاح وتأثيرات هذا القرار على الإدارة الأميركية، يتمثّل بالتراجع الاستراتيجي للدور الأمييكي في قضايا الحل السلمي، خاصة بعد فرض منطق التهديد على قرارات مجلس الأمن،  ومحاولة المساس في سيادات الدول. كما يعزل هذا التصويت من قبل الجمعية العامة، على رفض قرار دونالد ترامب الولايات المتحدة الأمييكية دولياً، ويحوّلها إلى دولة لا تقيم وزنًا للقانون الدولي ولقراراته. علاوة على تشكيل هذا التصويت هزيمة للدبلوماسية الأمييكية مقابل إرادة الحق والقانون الدولي. ويمثل  انهياراً لفكرة الإمبراطورية الأميركية من ناحية، وسقوط نظام أحادي القطبية، وفقدان هيبتها السياسية أمام هيئة الأمم المتحدة من ناحية ثانية.

وللقرار انعكاسات على المستوى الإسرائيلي، حيث يمثل هذا القرار إسقاط فكرة الشرعية على وجود الكيان الإسرائيلي في فلسطين، وما يترتّب عليه من ممارسات في مدينة القدس والأراضي المحتلة منذ عام 1948. إضافة إلى انحسار المكانة الدولية لإسرائيل.

وفي ظل هذا الانتصار الأممي على منطق التهديد الذي مارسته الولايات المتحدة وإسرائيل، ينبغي على الفلسطينيين استثمار هذا الموقف الأممي الداعم للحقوق الشرعية، والعمل على تكريس هذا القرار إلى واقع من خلال التقدّم لمحكمة العدل الدولية وتجريم قرار دونالد ترامب وممارسات الكيان الإسرائيلي، وذلك بالعمل على الحصول على دولة عضو مراقب والانضمام للمنظمات الدولية. وما يترتّب على القيادة الفلسطينية على مستوى الساحة الداخلية، رأب الصدع  والانتكاس في المصالحة الوطنية بين حركتي فتح وحماس. وعلى المستوى الخارجي الحفاظ  على علاقات دولية قوية ومتوازية مع تركيا  والأردن وإيران وقطر من جهة، واليمن والسعودية ومصر.