قَطْع العلاقات بين سوريا وتونس: بين سلبيات القرار وضرورة العدول عنه
تُعتَبر العلاقة بين تونس وسوريا علاقة موغِلة في القِدَم ، سواء أكانت علاقات بين الأفراد أو حتى تلك التي تمثّلت في مؤسّسات الدولتين ، تنوّعت العلاقات وتعدّدت من حضارية واقتصادية إلى ثقافية وسياسية ، كانت في كل مرة تدلّ على مدى ترابُط البلدين ومتانة العلاقة بينهما ، كل هذا قبل أن يُطلق العنان لما سُمّي بالربيع العربي ، فكان من إفرازاته قرار يُجمّد العلاقة بين تونس وسوريا .
أولاً: في تاريخيّة العلاقات التونسية السورية
تروي المصادر التاريخية عن التحالف الذي كان قائماً بين تونس وسوريا في جامعة الدول العربية والاتفاقيات العديدة التي كانت تجمع البلدين ولا سيما في فترة ما قبل الربيع العربي ، كما أننا لا نُنكر أن النواة الأولى لحزب البعث العربي الاشتراكي في تونس كانت على يد ثلّة من الطلبة التونسيين الذين درسوا في سوريا زمن الستينات وهذا ما أفرز مساندة التونسيين لحركة 23 فيفري 1966 في سوريا، ثم إننا لا يمكن أن ننكر أيضاً أن سوريا قد فتحت أبوابها أيضاً لثلّة ممن تبنّوا الفكر الإسلامي في مرجعياته وأسسه الأولى على غِرار راشد الغنوشي الذي درَس الفلسفة في الجامعة السورية وقطن بها لمدة من الزمن ، أما على المستوى الحضاري فأرقام وبراهين كثيرة تؤكّد متانة العلاقة التونسية السورية ، فيكفي أن نُشير مثلاً إلى أن عديد التونسيين قد تزوّجوا شاميات وقرّروا الإقامة في سوريا لنصل بالتالي إلى تعداد ستة آلاف تونسي يقطنون هناك ، وأما عن الجانب الثقافي فحدّث و لا حَرَج ، آلاف الطلبة التونسيين يرسلون في بعثات تعليمية إلى سوريا على اعتبار المكانة التي تحظى بها الجامعة السورية عند هؤلاء وعلى صعيد عالمي ، آلاف الكتب التونسية تُطبَع في دور نشر سورية والعدد مثلها من الكتب السورية يُقرأ في تونس ، كل هذا إضافة إلى المبادلات الأخرى بين البلدين والاتفاقيات العديدة على المستويين التجاري والاقتصادي إلى حدود الأزمة السورية .
ثانياً: قطْع العلاقات بين تونس وسوريا : نتائج القرار
في سنة 2012 أعلن الائتلاف الحاكم في تونس وعلى رأسه حركة النهضة قطْع العلاقات مع سوريا ، ووقع أمر السفير التونسي بمغادرة سوريا ووقع في الآن نفسه إعلام السفير السوري بتونس أنه غير مرحّب به . لقد نتجت من هذا القرار عدّة تبعات وخيمة ، آلاف التونسيين الفارّين من ويلات الحرب في سوريا بقوا عالقين هناك لأنهم لم يجدوا ممثّلين عن بلدهم يسهّلون لهم طُرق العودة القانونية إلى بلدهم ، مئات المساجين التونسيين في سوريا وإلى اليوم تبقى وضعيّتهم معلّقة ، وفي نفس الوقت لقد كانت الأمور مرنة من حيث تنقّل المئات من المُقاتلين التونسيين والانضمام إلى صفوف داعش ، ثم إن البلاد التونسية أيضاً قد وقعت باستضافة مؤتمر " أصدقاء الشعب السوري " في 24 فيفري 2012 ، حتى الاعتراف بالمعارضة السورية فقد جعل البلاد التونسية في مأزق ، على اعتبار أن المعارضة لم تعتلِ الحكم إلى اليوم وليست بيدها السلطة ، فهل من المعقول أن تتعامل البلاد التونسية مع أطراف تفتقد للشرعية ، في المقابل لقد حرصت قطر على سريان القرار سريعاً وكان لها تأثير في إعلانه ، مدّعية في ذلك دعمها للحركات التحرّرية والديموقراطية ، التي كانت تمارسها بطريقة أخرى من خلال تسهيل عمليات السفر إلى سوريا للإرهابيين ، ومحاولة "أخوَنة " العالم العربي ، ولا أدلّ على ذلك أكثر من الأدلّة التي تُثبت كل يوم ضلوع قطر في تمويل الإرهاب وإدخال البلبلة في البلدان العربية .
ثالثاً: قطْع العلاقات التونسية السورية : في ضرورة العدول عن القرار
لقد ظهر عديد الأصوات المُنادية بإرجاع العلاقة بين سوريا وتونس إلى سالِف عهدها ، على اعتبار أن جزءاً من حل الأزمة السورية يتمثّل في إرجاع هذه العلاقة ، في هذا الإطار قامت بعض الأحزاب المعارضة في مارس الماضي بعرض مشروع قرار يقضي بعودة العلاقات التونسية السورية ، وقد سبق ذلك زيارة بعض الشخصيات من هذه الأحزاب ووفد عن الاتحاد العام التونسي للشغل إلى سوريا ، في دعوة واضحة إلى ضرورة إسقاط هذا القرار المُجحِف بحق الشعبين ، ولقد صرّح وزير الخارجية التونسي خميس الجهيناوي بأن العلاقة بين تونس وسوريا لم تنقطع أبداً ، على اعتبار أن القرار لم يلتزم باتفاقية فيينا التي تقضي بإعلام الأمم المتحدة بذلك أولاً . كل هذا إضافة إلى مطالب بعض مكوّنات المجتمع المدني ونسبة كبيرة من الشعب التونسي الذين يصرّون على عودة العلاقات التونسية السورية ، وضرورة عدم الخضوع للسلطة القطرية في هذا الموضوع على اعتبار أن هذا الأمر يخصّ سياسات شعبين شقيقين ، ستعود العلاقة بينهما أحسن مما كانت عاجلاً أم آجلاً ، وستدور عجلة الثقافة بينهما من جديد وسيعود التحالف ضدّ عدو واحد هو الكيان الصهيوني الغاصِب .