الانقلابات الناعمة والصمت الإعلامي القاهر
لكن ربما لا يجب علينا أن نتوقع بأن تقوم هذه الوسائل بنشر ما يفضحه السياسيون اليساريون أو الباباوات الذين يتحدثون عن إنقلابات ناعمة، تلعب فيها وسائل الإعلام الكبرى دور النجومية. بحيث تكون هناك مساحة للمحللين والخبراء الإقتصاديين والمثقفين الذين يضيفون أرقاماً وحقائقَ وعناصرَ تسهم بتسليط الضوء على ما يجري، وإذا كان هناك من انتقادات للحكومات فسيكون ذلك أفضل.
وفي الوضع الحالي، حيث هذه الدول تحتل الصفحات الأولى لوسائل الإعلام العالمية، يُفْترض أن تكون تصريحات البابا فرانسيس حول ما يحدث في أميركا اللاتينية الخبر الرئيس فيها. ولكن ما حصل كان غير ذلك. فكلام الزعيم الروحي لمعظم مواطني أميركا اللاتينية والدول الغربية، والذي اعتبر فيه أن ما يحصل في المنطقة "انقلاباً ناعماً"، قد اقتصر نشره على بعض وسائل التواصل البديلة والإعلام الرسمي في كوبا وفنزويلا فقط.
أجرى رئيس جمهورية بوليفيا إيفو موراليس للتو زيارة إلى كوبا، وقبل اختتام زيارته أدلى بتصريحات للتلفزيون الكوبي، تناول عدة قضايا، ومن تحدّث عن الخسارة الأخيرة التي تعرض لها في نتائج عملية الاستفتاء حول تشريع ولاية رئاسية رابعة له، والتراجع الحاصل في العمليات السياسية التقدمية التي تشهدها أميركا اللاتينية في السنوات الأخيرة.
وأشار موراليس إلى الأكاذيب التي تُطْلق عبر شبكات التواصل الاجتماعي ويتم تضخيمها عبر وسائل الأعلام الخاصة، معتبراً إياها من بين العوامل الرئيسية التي تسببت بالنتائج السلبية والتي لم يمنع حصولها واقع الحال الذي سجّل التحسن الكبير جداً في حياة الملايين من البوليفيين منذ توليه السلطة.
وقال صحيح إنه تم كشف الدور الذي قام به القائم بأعمال سفارة واشنطن في لاباز بيتر برينان، ولكن حصل ذلك بعد 100 يوم من الكذب الإعلامي المتواصل والذي تحكّم بنتائج الاستفتاء.
وفي مقابلة له مع تيلي سور حول عملية "عزل " الرئيسة المنتخبة ديلما روسيف والتي سيبدأ بعدها البحث عن الأدلة التي لم تُقدّم بعد، في حين أن عميلاً لسفارة الولايات المتحدة يحتل موقع السلطة في برازيليا، قال الرئيس البرازيلي السابق لويس ايناسيو لولا دا سيلفا، "إن الصحافة البرازيلية تعرف ذلك تماماً وهي المسؤولة عن هذا الإنقلاب. كانت الصحافة هناك ضد ديلما بالإجماع ".
إن الوسائل الإعلامية التي تحدث عنها كل من لولا وايفو بطريقة مباشرة أم غير مباشرة، والتي اعتادت رفع راية حرية التعبير والحق في الحصول على المعلومات، لم تنشر أي من تصريحات إثنين من أهم الزعماء السياسيين في أميركا اللاتينية خلال القرن الحادي والعشرين.
لكن ربما لا يجب علينا أن نتوقع بأن تقوم هذه الوسائل بنشر ما يفضحه السياسيون اليساريون أو الباباوات الذين يتحدثون عن إنقلابات ناعمة، تلعب فيها وسائل الإعلام الكبرى دور النجومية. بحيث تكون هناك مساحة للمحللين والخبراء الإقتصاديين والمثقفين الذين يضيفون أرقاماً وحقائقَ وعناصرَ تسهم بتسليط الضوء على ما يجري، وإذا كان هناك من انتقادات للحكومات فسيكون ذلك أفضل.
وقد كتب المثقف الفنزويلي البارز لويس بريتو غارسيا مقالاً شديد الوضوح حول أسباب حالة فقدان المواد الإستهلاكية التي تعيشها فنزويلا، فبرهن كيف أن "إنتاج الأطعمة لم ينخفض وكذلك الواردات،"ولكن القطاعات التي تلعب دوراً في المعارضة تعمل على خلق حال من عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي في البلاد، فلجأت لأساليب من عدم التعاون الإقتصادي، ليس فقط عن طريق الدعوة للإضراب، التي تتطلّب مشاركة العديد من القطاعات السياسية المتنوعة ، ولكن من خلال مقاطعة تزويع السلع على الأسواق".
ووجّه انتقاداً حاداً ضد الحكومة الفنزويلية لأنها أخطأت "بترك مفتاح خطواتها بين يدي خصمها الإقتصادي المعارض الاقتصادي الرأسمالي، والذي يقدّر ب 60 مليار دولار تفضيلي أو أكثر من ذلك لصرفها على واردات في الخيال (أشباح واردات) ثم احتكارها ومنع وصولها إلى السكان".
ولكن على الرغم من ذلك، فإن لويس بريتو غارسيا لم ولن يحصل على مساحة للنشر في صحف مثل "ايل ناسيونال" في كاراكاس أو "ايل باييس" في مدريد أو "لاناسيون" في بيونوس آيريس، لان ما يندد به يلحق الضرر بمصالح الذين يدفعون الإعلانات وهم المساهمين في تلك الوسائل الإعلامية أو ينتمون إلى نفس الطبقة الإجتماعية التي تستفيد من عودة السياسات الليبرالية الجديدة إلى أمريكا اللاتينية.
وفي تصريحاته أمام مجلس أساقفة أميركا اللاتينية (سيلام)، قال البابا فرانسيس أيضاً إنه يشعر بــ "القلق إزاء الانتخابات في الولايات المتحدة بسبب عدم وجود عناية أكثر حيوية للأوضاع الإجتماعية للأكثر فقراً والمهمشين ".
من غير المرجح أن يتغير الوضع الإجتماعي في الولايات المتحدة، لأن الفقراء والمهمشين لن يساهموا في مال حملات المرشحين السياسيين، ولن يمكنهم الحصول على أسهم أو إعلانات في الصحف التي تقوم بتشجيع الحملات الإنتخابية التي تدعمهم.