قضية اختفاء الأشخاص في المكسيك، كيف ولماذا؟
تشير إحصاءات عام 2016 إلى أن 3 أشخاص يختفون يومياً في المكسيك.
-
-
المصدر: الميادين نت
- 13 حزيران 2016 12:11
عمليات الإخفاء القسري وتهريب البشر والاغتيالات باتت أخباراً تتردّد باستمرار منذ إعلان الرئيس السابق فيليبي كالديرون الحرب على تهريب وتجارة المخدّرات في ديسمبر/ كانون الأول من عام 2006.
بصوت
مليء بالغضب والحزن تقول ليليا إن المكسيك بكاملها يُمكن إعلانها مقبرة. هي تتحدّث
كونها صحافية مُخضرمة عن الفظائع التي ترتكبها عصابات الجريمة المنظّمة في بلادها
وعن القليل أو اللا شيء الذي تقوم به الدولة من أجل وقف هذه الموجة . تقول
إن هذا يجعل المكسيكيين يغضبون لأن الكثيرين من المفقودين عندما يتمكّن شخص ما من
معرفة أي شي عنهم، يكون ذلك بعد أن يعثروا عليهم مقطّعين إرباً في شوارع
إحدى البلدات أو المدن أو مدفونين في حُفر مخفيّة في أي مكان في البلاد.
عمليات
الإخفاء القسري وتهريب البشر والاغتيالات باتت أخباراً تتردّد باستمرار منذ إعلان
الرئيس السابق فيليبي كالديرون الحرب على تهريب وتجارة المخدّرات في ديسمبر/ كانون
الأول من عام 2006.
والسؤال
الأكثر شيوعاً الذي يقوم به أقارب لضحايا مفقودين هو" متى كانت آخر مرّة رآه
أحدٌ ما؟". وهكذا تتواصل الحياة اليومية لما يقارب ل 27 ألف عائلة مكسيكية تم
انتزاع أحد أولادها من أحضانها. وتقرّ الدولة المكسيكية من خلال بيانات السجّل
الوطني للأشخاص المفقودين أو المختفين بأن هذا العدد قد تجمّع خلال العشر سنوات
الأخيرة.
منذ
بضعة أيام تم اكتشاف وانتشال 117 جثة من مقبرة جماعية في تيتيل سينغو،
وهي بلدة صغيرة تقع شمال كواوتلا في ولاية موريلوس المكسيكية. والفرق هذه المرّة
إنها لم تكن مقبرة جماعية لمافيات تجارة المخدّرات أو لمنظّمات أخرى مرتبطة
بالجريمة المنظّمة، إنما هي عبارة عن حُفر في الأرض قامت بحفرها سلطات الدولة
لتدفن فيها جثثاً أو أجزاء من جثث لأشخاص لم يتم التعرّف الكامل عليهم ولا تحديد
هويّاتهم.
117 جثة تم استخراجها من مقبرة جماعية للدولة في تيتيل سينغو
حال
الذعر من الخطف لا يميّز بين شخص و آخر في المكسيك، حيث نجد أن
الإحصاءات سجّلت وجود رجال ونساء من جميع الأعمار في عِداد المخطوفين، ومن بين
الجثث في مقبرة تيتيل سينغو تم العثور على ثلاثة أطفال تتراوح أعمارهم بين 6 و 9
سنوات ومن المُحتمل أنه تم العثور أيضاً على جثة لطفل رضيع.
يقول
الشاعر المكسيكي خافيير سيسيليا وهو المُناضل من أجل قضية المفقودين
والمخطوفين في المكسيك ودفاعاً عن حقوق الإنسان إن: " سكان موريلوس يمثّلون
الدليل على أن الدولة لديها أيضاً حُفر لقبور سريّة".
الإحصاءات
التي قدّمتها الدولة تُشير إلى أن ثلاثة من أصل أربعة أشخاص من المفقودين هم من
الرجال في حين أن النساء يشكّلن الربع المتبقي . أما الفئات العُمرية لمعظم
المفقودين فتتراوح بين 15 عاماً و45 عاماً، وعلى الرغم من أن معظمهم هم من الجنسية
المكسيكية إلا أن هناك 118 شخصاً أجنبياً.
مَن يقوم بإخفائهم ولماذا يُخْطَفون؟
موقع
"نيكسوس" المكسيكي يشرح بعض الحالات: "سيرهيو كارديناس، خوسيه
فلوريس رودريغيز وأوْغستين نونييز ماغانيا خرجوا لبيع الحليّ من الذهب والفضة في
جميع أنحاء ولاية كوواويلا. نزلوا في فندق دون ألبرتو . تم اختطافهم في 22 نيسان
2009 ولم يُعرف عنهم بعد ذلك أي شيء
".
ولنأخذ
حالة أخرى: " حصل أن في أوائل كانون الثاني / يناير 2011 اقتحم عدد من
الرجال الذين كانوا يرتدون لباس شرطة بلدية أسكوبيدو منزل عائلة ريفيرا في منطقة
مونتيري. قام الرجال بسرقة حافلتين وممتلكات أخرى واختطاف روي ريفيرا، طالب قسم
الفلسفة و الآداب في جامعة
UANL ويبلغ
من العمر 17 عاماً. وبعد أن تم دفع الفدية المطلوبة من أجل الإفراج عنه روي
لايزال في عِداد المفقودين
".
هناك
27 ألف رواية عن أشخاص مفقودين كل واحدة منها تحمل قصّة مُختلفة غير مُرتبطة
ببعضها ظاهرياً باستثناء رابط وحيد وهو أن المفقودين يعيشون في المكسيك، ولذلك من
الصعوبة جداً معرفة أين يكون البحث عنهم أو مَن سيكون المفقود القادم.
في
مطلع العام الماضي (2015)، اعترفت الحكومة المكسيكية أمام الأمم المتحدة في جنيف
بعدم معرفتها الدقيقة بعدد المفقودين على أراضيها أو بهويّة الجهة الخاطفة.
وقد اعترفت المكسيك أمام اللجنة المعنية بحالات الاختفاء القسري التابعة
للأمم المتحدة، والتي لديها آليات خاصة لتوفير الحماية ضدّ هذه الجريمة في العالم،
بأن المؤسّسات المسؤولة لديها بالتقصّي عن مكان وجود الضحايا تفتقر في الواقع
لآليات للعثور عليهم.
"الحقيقة التاريخية" للحكومة المكسيكية حول اختفاء 43 طالباً على يد الشرطة
هذه
الحادثة جعلت العالم كله يُدرك خطورة الاختفاء القسري للأشخاص في المكسيك.
فالتحقيقات التي قامت بها النيابة العامّة للجمهورية، حول السلوك الوحشي
للشرطة في 26 أيلول / سبتمبر 2014 ضدّ سكان منطقة موريلوس في إغوالا / ولاية
غيريرو، راحت تتهاوى شيئا فشيئاً. ثم أصدر فريق الطب الشرعي الأرجنتيني تقريره
الرسمي حول حقيقة القضية، والتي أظهرت أن الطلاب ال 43 من المعهد التربوي في
أيوتزينابا الذين اعتقلوا وفُقدوا على أيدي الشرطة قد تم أعدامهم وحرقهم لاحقاً
على يد عناصر عصابات الجريمة المنظّمة في مكبّ النفايات التابع لبلدية كوكولا.
وبناء
لطلب من أولياء أمر هؤلاء الشبان المفقودين توصّل فريق المتخصّصين بفضل
خبرته الى أن التحليل المتعدّد التخصّصات للأدلة البيولوجية وغير البيولوجية التي
تم انتشالها من مكبّ النفايات في كوكولا والمعلومات الإضافية التي تم جمعها لا
تدعم فرضية الحكومة التي ادّعت أن حريقاً هائلاً من حيث الحجم الكافي والمدة التي
تم التبليغ عنها فجر 27 أيلول
/ سبتمبر عام 2014 ، نتج
منه احتراق جماعي ل 43 طالباً مفقوداً.
تلك
"الحقيقة التاريخية" التي قدّمتها الحكومة المكسيكية تم دحضها أيضاً من
قِبل مجموعة متخصّصين من الخبراء المستقلّين في لجنة البلدان الأمريكية لحقوق
الإنسان.
تحوّل الضحايا إلى خبراء في البحث عن مفقودين آخرين
إن الفظائع التي
ارتُكبت في المكسيك في قضية المفقودين جعلت منظمة حقوق الإنسان (هيومن رايتس ووتش)
تعترف إنه قد جرت العادة أن " لا يتّخذ عناصر النيابة العامة والشرطة
التدابير الأساسية في عملية التحقيق من أجل تحديد هويّة الفاعلين، وغالباً ما
كانوا يوجّهون ذوي وأقارب المفقودين بأن عليهم التحقيق والبحث عن أبنائهم بأنفسهم ".
فقرّر
الآف من عائلات الضحايا وبعد عدم تلقيهم ردوداً شافية من قِبَل الحكومة،
الذهاب والبحث هم بأنفسهم عن مفقوديهم بحيث ينهض العديد منهم في ساعات الفجر
الأولى ويجولون البلاد بحثاً عن إشارات أو أدلّة حتى أنهم يقومون بالحفر بأيديهم
بحثاً عن أثر لأحبّائهم المفقودين.
إن
التقنيات التي اكتسبوها من خلال هذه التجربة المُرّة هي نفسها التي يتم تبنيها من
قِبَل الإدّعاء العام المكسيكي. ويقولون إن انعدام الإرادة لدى الحكومة إما بسبب
عجزها أو بسبب تورّطها بعمليات الخطف هذه لن تمنعهم من العثور على مفقوديهم.
مسؤولية الدولة
إن
حادثة هجوم الشرطة على الحافلات التي كانت تُقلّ طلاب المعهد التربوي في
أيوتزينابا قد كشفت أيضاً بشكل جليّ ما قد أقرّ به ممثلون عن الحكومات الإقليمية
والمحلية حول تواطؤ السياسيين ورجال الشرطة والجيش في قضية اختفاء المواطنين في
المكسيك.
منظّمات
غير حكومية تُثبت بالوثائق وجود أدلّة بأن "بعض أحداث عام 2007 هي عبارة
عن "اختفاءات قسرية" وهذا يعني أن في الأمر دوراً مشبوهاً لجهات
حكومية في تلك الجرائم المزعومة.
لقد
ذُكر في تقرير هيومان رايتس ووتش في عام 2016 أن "تلك الجرائم قد
ارتُكبت على أيدي عناصر من جميع القوى الأمنية المُشاركة في مهام الأمن العام، و
في بعض الأحيان بالاشتراك مع عصابات الجريمة المنظّمة".
إن
هذه الأزمة الإنسانية التي يرزح تحتها سكان المكسيك تكبُر وتتفاقم بمقدار
تجاهلها من قِبَل السلطات الرسمية، والتي تقوم المنظّمات الدولية بتغطية عيونها و
آذانها لكي لا تسمع صُراخ المواطنين الذين وحّدوا شعارهم " أخذوهم
أحياء ونريدهم أحياء".