حماية المدنيين في المواثيق الدولية

الإتفاقيات والمواثيق الدولية والإعلانات العالمية تمثل أساسا تبنى علية الحماية الدولية للمدنيين حيال النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية،كما وعلى الدول جميعها الإلتزام بهذه الضوابط والآداب في (حروبها العادلة) إذا ما دعت الحاجة إليها حتى لا تخرج عن نطاق المشروعية إلى إطار العمل العدواني المجرّم من قبل المجتمع الدولي،فحق الدفاع الشرعي وحق تقرير المصير ضد الإحتلال والإستعمار الأجنبي يبيح إستعمال القوة المسلحة عند الحاجة لدفع كل فعل (يعتبر جريمة متمثلة في إستخدام القوة ضده)،ولكنه على الرغم من ذلك فهو أيضا غير مرخص لمجازاة شعب كامل أو القصاص منه أو لإنتهاك أحكام القانون الدولي العام كما جرى ويجري في كل من أفغانستان والصومال والعراق وكوبا وغيرها الكثير،بل يجب دائما وأبدا التقييد بأحكام القانون الدولي العام.

يحظر تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب.
ويطبق القانون الدولي الإنساني مهما كان نوع النزاع،دوليا أو غير دوليا ومهما كانت شدة النزاع المسلح،وأية دولة قررت خوض حربا ما دون أن تخضع للقيود التي فرضها القانون الدولي الإنساني على أطراف النزاع ستكون منتهكة للشرعية الدولية وستجد نفسها موضع قرارات مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة،كما ولا يجوز التذرع بالضرورة العسكرية في تجاوز القيود المقررة في القانون الدولي الإنساني لأن الضرورة العسكرية لا تبرر إلا أعمالا هي نفسها قانونية.

هذا وغالبا ما تلجأ الدول المتحاربة أثناء النزاعات المسلحة إلى إتباع أساليب تستهدف الضغط على العدو وإجباره على الإستسلام،ومن بين هذه الأساليب،أسلوب التجويع الإقتصادي للمدنيين والحظر الإقتصادي في البر والبحر والجو،مما يترتب علية أثارا ضارة بالمدنيين والعسكريين على حد سواء،مما أدى إلى إقرار قواعد قانونية لحماية المنشآت اللازمة لبقاء المدنيين لإستمرار حياتهم الطبيعية،حرمت بموجبها كافة صور الإعتداء المتوقع ضد هذه الأعيان اللازمة لبقاء الإنسان،سواء تمثل الاعتداء في صورة الهجوم أو التدمير أو النقل أو التعطيل،حيث نصت المادة (54) من البروتوكول الأول لعام 1977 لإتفاقية جنيف على ضرورة عدم توجيه الهجمات الحربية ضد المنشآت والأعيان التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين،فحظرت المادة الأساليب التالية:


- يحظر تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب.

- يحظر مهاجمة أو تدمير أو نقل أو تعطيل الأعيان والمواد التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين،ومثالها المواد الغذائية والمناطق الزراعية التي تنتجها والمحاصيل والماشية ومرافق مياه الشرب وشبكاتها وأشغال الري،وذلك إذا تحدد القصد من ذلك في منعها عن السكان المدنيين أو الخصم لقيمتها الحيوية،مهما كان الباعث سواء كان بقصد تجويع المدنيين أم لحملهم على النزوح أم لأي باعث آخر.

- لا يطبق الحظر الوارد في الفقرة الثانية على ما يستخدمه الخصم من الأعيان والمواد التي تشملها تلك الفقرة في هذه الحالات:

(آ) زادا لأفراد قوته المسلحة وحدهم. (ب) إن لم يكن زادا فدعما مباشرا لعمل عسكري شريطة ألا تتخذ مع ذلك حيال هذه الأعيان والمواد في أي حال من الأحوال إجراءات قد يتوقع أن تدع السكان المدنيين بما لا يغني عن مأكل ومشرب على نحو يسبب مجاعتهم أو يضطرهم إلى النزوح.

أما من القيود التي لا بد منها لضمان تحقيق الحماية العامة للسكان المدنيين وبقائهم الآتي:           

- عدم توجيه هجمات الردع إلى الأعيان التي لا بد منها،فيحظر مهاجمة أو تدمير أو نقل أو تعطيل الأعيان والمواد التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين ومثلها المواد الغذائية والمناطق الزراعية التي تنتجها والمحاصيل والماشية ومرافق المياه وشبكات وأشغال الري،وبذلك يحظر تجويع المدنيين كوسيلة من وسائل الحرب (غير قانوني)،كما يحظر على الأطراف المتنازعة عدم إتخاذ أي إجراءات في أي حال من الأحوال حيال المرافق المائية قد يتوقع أن تدع السكان المدنيين بما لا يغني من مأكل ومشرب على نحو يسبب مجاعتهم أو يضطرهم إلى النزوح،فالضرورة العسكرية لا تمنح الجنود رخصة لتدمير مرفق مائي إذا كان لا غنى عنه لبقاء السكان المدنيين على قيد الحياة،إلا إذا إستخدم الماء في دعم مباشر لعمل عسكري فهنا يجوز تدميره والهجوم علية.

- عدم توجيه هجمات الردع للأشغال الهندسية والمنشآت المحتوية على قوة خطرة،شأن السدود والجسور والمحطات النووية لتوليد الطاقة الكهربائية،لما يترتب على ذلك من كوارث وخسائر لا حصر لها في الغالب،فالحماية العامة للسكان المدنيين تقوم على أساس المبدأ العام الذي يحرم توجيه العمليات الحربية ضد السكان المدنيين من الطرفين سواء الهجومية أو الدفاعية.

أما في حالة توجيه أعمال عدائية نحو المدنيين مما يتسبب في إحداث وفيات وإصابات خطيرة فإن ذلك يعد جريمة حرب طبقا لنص المادة (51/2) من البروتوكول الأول حيث جاء فيها (أنه لا يجوز أن يكون السكان المدنيون بوصفهم هذا وكذا الأشخاص المدنيون محلا للهجوم)،وعندما تشن هجمات على هذا النحو عمدا وتسبب وفيات أو إصابات خطيرة،تعد إنتهاكات خطيرة للقانون الدولي الإنساني ومن ثم تعد جريمة حرب حسب نص نفس المادة.

وجرائم الحرب هذه هي من إختصاص المحكمة الجنائية الدولية،فلا تتقادم مع مرور الزمن،وسيخضع كل مرتكب سياسي وعسكري لها للمقاضاة الدولية،طال الزمان أم قصر،وذلك في ضوء شيوع مبدأ الإختصاص الجنائي أو القضائي الدولي والذي باتت تطبقه في محاكمها ما يقرب من خمسين دولة،وهو إختصاص يتيح لأي محكمة أو قاضي في هذه الدول إصدار مذكرة قبض أو توقيف ضد كل شخص إرتكب أو ساهم  في إرتكاب جريمة من تلك الجرائم في أي مكان من العالم،مما يعني أن تطور القضاء الإنساني لحماية المدنيين بات الآن أكثر من أي وقت مضى يقلق راحة وبال القوى والمجموعات التي تمتهن قتل المدنيين في أي مكان من العالم.

 

إنفوغراف: معاهدة جنيف الرابعة