التطرف في بلاد عصر الأنوار

عندما يُطرح سؤال التطرّف يتجه البنان صوب "التطرّف الإسلامي المتشدد"، ويذهب الرأي العام إلى الخلط بين الإسلام كدين، والمسلم كإنسان والإسلامي كأيديولوجي، والتنظيم المتطرّف كعقيدة مدمّرة، لتسمع بعدها تلك القصص المرعبة.

يذهب الرأي العام إلى الخلط بين الإسلام كدين، والمسلم كإنسان والإسلامي كأيديولوجي
هذه الصورة تجعل المتطرفين "الأوروبيين" أصحاب حجة قوية ضد مسلمي أوروبا وأميركا والعالم، وتضع المسلمين المهاجرين قسراً أو طوعاً في خانة الدفاع عن حقوقهم كبشر، ثم كمواطنين أوروبيين، بعضهم ولد وتربى في أوروبا أو  أميركا، ولم يزر المنطقة العربية أبداً، ولا يتصل بالعرب سوى بدماء أجداده الذين يسمع عنهم من قصص العائلة الصغيرة والكبيرة على حدّ السواء.

فما يدور في فلك الانتخابات الأميركية، عبر ظاهرة السيّد ترامب، أصبح مألوفاً في عمق الحملة الانتخابية الداعية إلى استصغار اللاتينو بحجة أنهم عالة على المجتمع الأميركي، وإتهام المسلمين بالإرهاب والتطرّف والدعوة لطردهم على أساس أنهم مهاجرين أولاً، ومجرمين ثانياً. 
وقد لا تكون المشكلة في تصريحات السيّد ترامب المرشّح لقيادة الولايات المتحدة الأميركية، بمقدار ما هي مشكلة انتشارها وتبنيها من طرف قطاع كبير من الأميركيين  وكذلك سرعة انتقال العدوى إلى مناطق أخرى في الغرب.

لقد ساندت السيّدة مارين لوبان "التطرّف" الذي اشتهر به السيّد ترامب ضد المسلمين خاصة واللاتينو إلى جانبهم بتبنيها موقفه العنصري،  كما أعلنت في مقابلة تلفزيونية على قناة أميركية. 
فزعيمة اليمين المتطرف الفرنسي ترتكز على دعم أكثر من ربع الفرنسيين حسب استطلاعات الرأي، ومرشحة للذهاب بعيداً في السباق الرئاسي الفرنسي المقبل، تبني خطاباً متطرفاً يجد دعماً جلياً من المؤسسة العلمانية الفرنسية التي تقوم على حرية اختيار المعتقد من جهة، والتي تحارب كلّ أشكال التطرّف والاجرام والعنصرية رافعة شعار "الايخاء" بين الفرنسيين من جهة ثانية.

على تلك القناة الأميركية صرحّت السيّدة مارين لوبان بأن انتخاب السيدة هيلاري كلينتون سيؤدي إلى نزاعات عالمية. ولم تشر إلى ما يؤدي إليه انتخاب ترامب مع كل هذا الوعيد ضد اللاتينو والمسلمين؟

يتساءل المرء أمام تصريحات السيّدة مارين لوبان عن مشروع النهضة الأوربية، بعدما ظهر الكثير من الأقطاب الفكرية على الأرض الفرنسية  كديكارت وليفيناس وجيل دولوز وإدغار موران  وغيرهم. ما هو الأثر الذي بقي لعصرالأنوار فعلاً وقولاً.