الولايات المتحدة الأميركية غير ديمقرطية
إذا كانت الدّيمقراطية تعني انتخاب مُمثّلي الشّعب بنزاهة بـحيث يكون الأعضاء المُنتخبون يـُمثلون فعلاً الشعب الأميركي وذلك بالاعتماد على قانون انتخابي عادل
إذاً من يَتَحَكّم في الإنتخابات الأميركية ومن ثُم السياسة الأميركية هو رأس المال، ومن يملك المال هو الذي يوجه الإنتخابات الأميركية عن طريق تمويل الحملات الإنتخابية للمرشّحين لتحقيق أهدافهم الخاصة، وليس من أجل مَن هو أفضل للشعب الأميركي. إنها ديكتاتورية رأس المال التي أسميتها " الديكتاتورية الذكية " في كتابي " عندي حلم " الذي لم يُنشر بعد .
الإنتخابات الرئاسية الأميركية تحدث ضَجّة إعلامية وعالمية كَبيرة جداً بهدف خداع الشعب الأميركي وشعوب العالم ، لتظهر أن أميركا هي باحة الديمقراطية والحرية والحقيقة غير ذالك، لقد قامت الجماهير في كل مدن شمال أميركا بتظاهرات أطلق عليها " احتلوا وول ستريت " الجماهير كانت تُطالب بالمُساواة وأن تكون لهم مشاركة في الحُكم ، فقد رفعوا شعارات تقول إنهم يمثلون 99% من الشعب الأميركي وإنهم غير ممثلين في الحكم حتى لو كانوا يمثلون 51% فهم يشعرون بالغبن، وإنة لا يوجد لهم مُمثلون في الحكم، وقد تم القضاء على حركتهم من قِبَل قوات الأمن الأميركية.
ليس كل الإنتخابات التي تَحْصل من خلال صناديق الاقتراع تُعتبر ديمقراطية، بريفوسور جوليان زيليزر أستاذ التاريخ والشؤون العامة في جامعة برينستون مؤلّف كتاب "جيسي كارتر" يقول تُواجه الديمقراطية الأميركية تهديداً ماثلاً وحقيقياً.
حيث تطغى قوة المال على سُلطة ما تُفرزه صناديق الاقتراع، توجد تداعيات مُرْعبة يخلفها المال الخاص على النظام الديمقراطي، المال يخلق ساحة لعب غير متكافئة فهو يترك غالبية المواطنين على هامش سلطة القرار وهو لا يشجّع المواطنين على الممارسة السياسية، إن المواطن العادي له كلمته فقط عندما يكون على اتفاق مع الأثرياء وإذا لم يكن كذلك فلا أهمية له .
إن غالبية الأميركيين ليس لهم تأثير بالمرّة أو أن تأثيرهم يكاد لا يُرى في نوع السياسات التي تنتهجها الحكومات الأميركية، حيث إن النظام السياسي يَعْمل لصالح الأثرياء، هذا ما توصّلا إليه عالماً السياسة الأميركية مارتن جيلينس وبنجامين بيج في بحثهما الذي شمل 1779 بادرة سياسية.
الإنتخابات الأميركية الأخيرة انتخابات 2016 صُرف فيها 6.6 بليون دولار، صُرفت على الإعلانات وعلى وسائل الإعلام وعلى موظفين يعملون لدى المرشحين وعلى المواصلات والاتصالات، إنه مشروع بزنس بكل معنا الكلمة.
الإنتخابات الأميركية التي تُفرز مثل الرئيس المُنتخب دونالد ترامب هي ليست انتخابات ديمقراطية بالمعنى الذي نريده من الديمقراطية، هي انتخابات غير عادلة، ليس كل الإنتخابات التي تجري من خلال صناديق الاقتراع هي انتخابات ديمقراطية عادلة، صحيفة الغرديان البريطانية بتاريخ 26 كانون الثاني 2016 تقول إن انتخاب دونالد ترامب كان أهم حدث في عام 2016 ، حيث استمر في دعوتة إلى منع دخول المسلمين إلى أميركا ، وعدم اعترافه بالتصدي للتغيّر المناخي، ولم يعترف بقرار قاض ٍأميركي من أصل لاتيني فقط لأنه من أصل لاتيني، وتتساءل الصحيفة كيف ستؤثّر شخصية ترامب وأحكامه وسلوكه في أميركا.
لأن الإنتخابات لم تغيّر فيه شيئاً، إذ لا زال كما هو وقحاً مندفعاً مغروراً.
الكاتب في صحيفة واشنطن بوست مايكل غيرسون يقول لأول مرة يشعر بهشاشة الديمقراطية الأميركية ، وإنه لا يستطيع إلا الحُكم على أن ترامب غير مؤهل للترشّح للرئاسة الأميركية واتهم ترامب بأنه جاهل حتى الصّدْمة.
جو بايدن نائب الرئيس الأمريكي الحالي يصف الرئيس المُنتخب دونالد تراب في مقابلة مع تلفزيون بي بي أس بأنه غير بالغ وغير ناضج .
مسألة فوز ترامب في الإنتخابات الرئاسية كانت بسبب امتلاكه للمال، بلايين الدولارات، والذي تم توظيفه في استخدام التقنية العالية لتكنولوجيا وسائل التواصل الاجتماعي عن طريق استخدام خُبراء في التواصل الإجتماعي وفي التسويق الرقمي باستهداف الناخبين المتخلّفين في الولايات المتأرجحة بتوجية آلاف الدعايات التي هي أشبه بالدعايات التجارية، خصيصاً لكل مجموعة منهم ، ( مقال د. سيف دعنا في الميادين بعنوان النيوليبرالية ) .
المرشّحون للرئاسة الأميركية من غير الحزبين الرئيسيين لم يعرف عنهم معظم الشعب الأميركي حتى لو كانوا أكثر وعْياً ويحملون برامج أفضل لخدمة الشعب الأميركي، السبب إنهم لا يملكون الأموال الطائلة لصرفها على حملاتهم الانتخابية، كما إن الشركات الرأسمالية الكبرى والتي تملك وسائل الإعلام أيضاً لا يهمها هؤلاء المرشّحين .
المرشّح الديمقراطي الإشتراكي السناتور ساندرز وغير المعهود في السياسة الأمريكية، وهو مرشّح من الحزب الديمقراطي والمنافس لهيلاري كلينتون والذي لم يدعمه حزبه الديمقراطي لوقوفة مع مصالح الغالبية الشعبية، قد حصل على أصوات لا بأس بها من بعض الطبقات المظلومة من الشعب الأميركي، انتقد هذا المرشّح النظام الانتخابي الأميركي حيث قال إن نظام تمويل الحملات الانتخابية ودور اللجنة الكبرى (سوبر باك ) وما له من تأثير كبير على نتائج الانتخابات هو نظام فاسد، ويعتقد أنه لا يمكن إصلاح الاقتصاد الأميركي من خلال المشاركة في هذا النظام الفاسد لتمويل الحملات الإنتخابية الذي يُقَدّم من أصحاب أموال مبالغ غير محْدودة من وول استريت من أجل مصالح خاصة.
موافقة المحكمة العليا الأميركية للشركات الأميركية الغنية جداً على تمويل الحملات الإنتخابية بمبالغ غير محدودة يعتبر تشريعاً لهذه الشركات أو اللوبيات لشراء المرشّحين .
جيمي كارتر الرئيس الأمريكي الأسبق في مقابلة له مع راديو بي بي سي قال إن نظام تمويل الحملات الإنتخابية الأميركية الذي أقرته المحكمة العليا الأمريكية أفسد السياسة الأميركية حيث ساوت بين حرية التمويل بحرية التعبير وإن منظمة سوبر باك الذين يستخدمونها أصحاب الأعمال الأغنياء جدا لشراء نفوذ (لرشْوة ) السياسيين المرشّحين سواء كانوا ديمقراطيين أو جمهوريين أو حتى لو كانوا من المرشّحين النزيهين، فهم يعتمدون في تمويل حملاتهم الإنتخابية على أموال رجال الأعمال الأغنياء، بعد أن يتم انتخاب المرشّحيين ووصولهم إلى المراكز العليا سوف يقومون بتلبية طلبات الأغنياء الذين ساعدوهم حتى يزيد غناهم أكثر وأكثر .
من المعروف أن السياسة الداخلية لأي نظام سياسي في أي بلد تَنْعكس على السياسة الخارجية ، إذا كانت السياسة الداخلية ديمقراطية عادلة ونزيهة تكون السياسة الخارجية منسجمة مع السياسة الداخلية إلى حد كبير، من هذا المنطلق إذا تابعنا السياسة الخارجية الأميركية في موضوع الديمقراطية، على الأقل نجد أن السياسة الأميركية الخارجية معادية جداً للديمقراطية الحقيقية (ديمقراطية العدالة ) في جميع أنحاء العالم، كمثال على ذلك في منطقتنا العربية ، نجد بشكل واضح لا يقبل الشك كيف تدعم الولايات المتحدة والدول الغربية ( الديمقراطية ) بشكل خاص بريطانيا وفرنسا، تدعم الحكومات الديكتاتورية الفاسدة جداً بجميع أشكال الدعم المخابراتي الأمني والعسكري والتدريب والإشراف والتسليح القمعي، لقمع الشعوب المطالبة بالديمقراطية، أفضل مثال على ذلك ما يحدث في البحرين ست سنوات من الـتظاهرات والمطالبات الشعبية السلمية في البحرين، تطالب بحكومة مُنتخبة تُمَثل الشعب البحْريني، أتعرفون من يمنع ذلك هي القواعد العسكرية الأمريكية والبريطانية والفرنسية المحيطة بالجزيرة، هي في الحقيقة صاحبة القرار .
نعوم تشومسكي الفيلسوف والمؤرّخ الأميركي المعروف المعارض للسياسة الأميركية يقول إن الولايات المتحدة من المستحيل أن تقبل بوجود أنظمة ديمقراطية في المنطقة العربية، لأن ذلك يتنافى مع مصالحها الإستعمارية وهي تَتَبنى سياسة تضْليل وخداع غاية في الإتقان والإخراج تنطلي على كثير من شعوب العالم وعلى كثير من حركاته وزعمائه .
الكاتب الأمريكي وليام بلوم الذي شَغل مَنْصب وكيل في الخارجية الأميركية عام 1967 ، يقول في كتابه "الديمقراطية أشد الصادرات الأمريكية فتكاً " إن السياسة الأميركية تستغل شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان في تدمير المجتمعات الأخرى من الداخل للمحافظة على هَيْمنتها، ويقول إن الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية قامت بالإطاحة أو محاولة الإطاحة بما يزيد عن خمسين حكومة أجنبية كانت غالبيتها مُنتخبة ديمقراطياً، كما حاولت اغتيال أكثر من خمسين زعيماً أجنبياً وحاولت قمع أكثر من ثلاثين حركة شعبية وقومية في العالم، والكثير من هذه الجرائم. هذا هو رصيد الولايات المتحدة الأميركية من دعم الديمقراطية في العالم كما يقول الكاتب .