السادات والحرب التي خاضها بالإكراه
لم يكن السادات رجلاً عسكرياً، فلقد تخرّج من المدرسة الحربية بعد سنة واحدة من دخولها نظراً لاندلاع الحرب العالمية الثانية. ولم يتدرّج كثيراً في الرتب حيث كان اهتمامه سياسياً وليس عسكرياً واستطاع أن يحجز له مقعداً خلفياً في مجلس الضباط الأحرار. بعد رحيل جمال عبد الناصر في أيلول 1970 برز صراع قوي في مصر على السلطة، نجح في قطف ثماره أنور السادات بسلسلة من الصدف تكاد تكون فيلماً سينمائياً كما وصفه محمّد حسنين هيكل. بعد وصوله لم يتوقّف الصراع ولكنه استطاع أن يُبعد كل منافسيه عن السلطة السياسية والعسكرية (منهم علي صبري و محمّد فوزي).
حاول أنور السادات منذ اليوم الأول نسج علاقة جيّدة مع أميركا إن من خلال اتصالاته السرّية مع وزير الخارجية روجرز أو مع مسؤول الأمن القومي كيسنجر الذي أصبح وزيراً للخارجية، ولا نبالغ إن قلنا أنه أصبح رئيساً للولايات المتحدة بعد فضيحة ووترغيت الذي مني بها الرئيس نيكسون. كيسنجر يهودي صهيوني كان معروفاً بصلاته ودعمه الكامل واللامحدود لإسرائيل. كانت اتصالات السادات سرّية تولاّها بدايةً سفير مصر أشرف غربال.
تلقّى السادات من الملك فيصل توصيات بمحاربة الناصريين والشيوعيين ومحاولة استرضاء الإخوان المسلمين فكان لهم وزارتان ليصبح بعدها الرئيس المؤمن. لم يكن السادات يريد الحرب و لم يكن على استعداد لتقوية العلاقة مع الاتحاد السوفياتي الذي كان ينشر خبراء لتعليم الجيش المصري على السلاح السوفياتي ، فكان أن دعاهم إلى سحب خبرائهم. كان همّه إرضاء أمريكا لأنه كان على يقين بأن مفاتيح العالم أميركية.
خاض حرب تشرين مُرغماً بعد أن بدأ السخط الشعبي والعسكري المصري يعلو على الساسة، و بعد محاولات انقلاب فاشلة قام بها بعض الضبّاط الشباب في الجيش المصري. وتابع اتصالاته منذ اليوم الأول للحرب مع كيسنجر ومن خلال حافظ إسماعيل هذه المرة بأن أرسل رسالة سرّية تطمينية بمحدودية العمل العسكري، والتي استخدمها كيسنجر في ما بعد لتطمين الإسرائليين والتركيز على جبهة الشمال عند الحدود السورية، لتتوالى بعدها الرسائل بين أنور السادات وكيسنجر حتى عندما كانت الولايات المتحدة ترسل كل طلبات إسرائيل من الأسلحة من دون تردّد و لتوقف انتصارات الجيشين السوري والمصري.
لم يأخذ السادات بعين الاعتبار طلبات السفير الروسي بضرورة التخفيف عن جبهة الشمال واستغلال الوضع القائم لاسترجاع منطقة المضائق بالرغم من الفرصة الذهبية التي كانت بيديه.
لم يكن السادات رجل حرب، وخاض الحرب مضطراً، وكان خلال الحرب وما قبلها ينشد السلام، سلام لم يكن عادلاً، استطاع أن يصله في العام 1978 رغم التنازلات التي قدّمها خلال وبعد حرب تشرين التحريرية. سلام فكّ فيه ارتباط مصر بمحيطها العربي وحول فيه مصر من ثقلها العربي إلى هروبها نحو سياسة داخلية كان ينتظر من خلالها، على ما يبدو، كيلاً من الاستثمارات الأميركية ومن المساعدات لم تأتِ ولن تأتي في يوم من الأيام. إاهار عرشه برصاصات من أقرب حلفائه أما أمجاد الحرب فأكلتها نيران كامب ديفيد، فالتاريخ لا يرحم.