لا تقتلوا صالح بن يوسف مرّتين
يحزُّ في نفسي ما حدث في وسائل الإعلام التونسية من طمس وتزييف للتاريخ من أجل خدمة أجندات سياسية ضيّقة لا علاقة لها لا ببورقيبة ولا ببن يوسف.
قريب صالح بن يوسف الذي يتحدّث عنه رجاء فرحات ليس سوى البشير زرق العيون الذراع اليمنى لبورقيبة التي يعوّل عليها "المُجاهِد الأكبر" لتصفية مُعارضيه، وقد كلّف بورقيبة زرق العيون باغتيال صالح بن يوسف للتخلّص من أبرز خصومه خاصة أن بن يوسف كان حليفاً لجمال عبد الناصر عدوّ بورقيبة اللدود. لقد أثارت تصريحات سهام بن سدرين الأخيرة التي نادت فيها بضرورة تصحيح التاريخ كثيراً من الجدل. هنا ينبغي الإشارة إلى أن غاية بن سدرين من خلال هذا التصريح هي استفزاز الباجي قايد السبسي وخدمة حركة النهضة لا الدفاع عن الحركة اليوسفية كما تدّعي. سعت حركة النهضة إلى استقطاب العائلات اليوسفية المتمركزة أساساً في الجنوب بحجّة الدفاع عن الهوية العربية الإسلامية ومستغلّة كره اليوسفيين لبورقيبة وأنصاره. وقد نجح إخوان تونس للأسف في مهمّتهم بدليل حيازتهم على الأغلبية بكامل ولايات الجنوب في انتخابات 2014. لا يوجد أدنى موجب للمقارنة بين الحركة اليوسفية والإخوان. فاليوسفيون هم قوميون يؤمنون بالنضال العربي المُشترك من أجل مُحاربة الاستعمار، بينما يُعتَبر الإخوان أنهم ذو نزعة إسلاموية، وقد عملوا على امتداد تاريخهم على خدمة الأجندات الغربية طامعين في أن يُحقّق لهم الغرب حلمهم المزعوم بالخلافة. في الحقيقة، كان بورقيبة حليفاً للإخوان، حيث استقرّ خلال سفره إلى القاهرة في الأربعينات في دار الإخوان المسلمين في الحلمية، وكان يحضر دروس الجمعة التي يُلقيها حسن البنّا. كما عارض بورقيبة بشدّة إعدام سيّد قطب أحد أبرز رموز الإخوان في الستينات خلال فترة صراعه مع عبد الناصر، وقد منح بورقيبة في تلك الفترة الجنسية التونسية لعدد من قيادات الإخوان المصرية. قام"المُجاهِد الأكبر" بتشجيع التيّارات الإخوانية التونسية في بداية السبعينات، وقد كان على رأس تلك الجماعات راشد الغنّوشي وعبد الفتاح مورو. وقد فتح بورقيبة المنابر والمساجد للإخوان من أجل مُهاجمة اليسار والقوميين. ثم قام بورقيبة بحثّ الإخوان لمُحاربة الاتحاد السوفياتي في أفغانستان بتعليمات أميركية. لا ُيمكن لحركة النهضة أن تكون وريثة اليوسفيين لأن الحركة اليوسفية لها بُعد قومي والقوميون هم أعداء تاريخيون للإخوان. كما يستحيل على البورقيبيين تبرِئة سيّدهم من دم صالح بن يوسف فالتاريخ قد كتب ولا جدوى من إعادة كتابته.