الكعكة السورية وإعادة تشكيل الميدان السوري

الكعكة السورية باتت على وقع التقسيم الفعلي بين قوى وأذرع، فمخطّط تقسيم سوريا إلى دويلات أصبح واقعاً حيّاً ولم يعد سيناريو محتملاً في الشمال والجنوب، ولغة القوة هي من تحكم خريطة المعادلة السياسية بالمنطقة.

مشهد للدمار نتيجة المعارك في درعا جنوب سوريا (أ ف ب)
لن تكون السنوات السابقة من عمر الأزمة السورية بأشدّ وطأة مما تخبّئه الأيام القادمة للسوريين، فإعادة رسم العالم الجديد لم تنضج بعد، ولا زالت القطبية الجديد تحتاج للمزيد من الوقت لتفعيل دورها بشكل كامل في ظلّ التخبّط وحال الفوضى والإضرابات التي تعمّ المشرق، وعملية التعبئة للتحضير للحل السوري تحتاج لنقلة نوعية جديدة، تتطلّب خلق الأعداء وتغيير التحالفات وفرز الخيارات الجديدة، ولا تزال فدرلة المنطقة الخطة الأبرز في اللعبة السياسية، ولن يكون كيماوي خان شيخون إلا حلقة جديدة تُضاف إلى سلسلة الأحداث التي تمهّد لشرق أوسط جديد سبقتها عدّة مناورات متتالية.
حيث شهدت الولايات المتحدة تنقلات بالجملة في المواقف السياسة والمواقع العسكرية داخل الأراضي السورية، رغم أن مفاعيل السياسة الخارجية لا تزال موضع خلاف كبير داخل الإدارة الأميركية، فبعد أن عُقدت الآمال على التقارب الروسي الأميركي بشأن الحلول في سوريا، يبدو أن الرئيس الأميركي ترامب لن يحيد عن خطة سلفه أوباما، فقد بلورت التوقّعات المختلفة استراتيجيات جديدة مُشابهة لسابقتها من ناحية الدعم والتكتيك، فالهدف الرئيس للاستدارة الأميركية هو العمل على إيجاد واقع فعلي يسمح بمد خط الغاز من قطر إلى تركيا ومنها إلى أوروبا لتهديد روسيا اقتصادياً، ولذا ستسمح الإدارة الأميركية الجديدة بتزويد حوالي 80 فصيلاً مسلحاً بمئات من الصواريخ الموجّهة المضادّة للدروع من طراز تاو لتغيير موازين القوى. وستشكّل حادثة خانة شيخون الكيماوية مفتاح البقاء للولايات المتحدة في دائرة الصراع على سوريا، حيث يعمل الغرب وما يُسمّى المعارضة والجماعات الإرهابية لاتّهام النظام السوري بارتكاب مجزرة كيمياوية لن تغدو عن كونها زوبعة إعلامية في ظل ارتياح القيادة السورية للوضع الميداني، فوقائع جوبر والقابون وريف حماه تفرض نفسها في الميدان العسكري والسياسي، ويثبت أن القيادة السورية ليست بحاجة لاستخدام الكيماوي فهي ما زالت المُسيطرة على معظم الميادين، والتحالف القوي مع روسيا سيسقط بالفيتو قرار المحاسبة تحت البند السابع ويرفض محاسبة القيادة السورية من دون وقائع مُثبتة، وليس عبر مواقع التواصل الاجتماعي والمرصد السوري لحقوق الإنسان وجماعة الخوَذ البيضاء الإرهابية، وكانت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد صرّحت في وقت سابق عن إمكانية بقاء الرئيس السوري بشّار الأسد في السلطة بحثاً عن ثغرة ترفع بها فرصتها لتحقيق مصالحها.   ولذا فالولايات المتحدة لن تدع الحادثة تمر من دون استفادة من تغيّر الواقع الأممي لصالحها، حيث ستسعى لفرض رؤيتها للمنطقة بالقوة أو بالسياسة أو تحت قبّة الأمم المتحدة، ومع اشتداد المعارك العسكرية المدعومة بموافقتها في الشمال والجنوب السوري ستصبح خطّة التقسيم قاب قوسين أو أدنى للتنفيذ مع مخاطر جيوبوليتيكة خطيرة تتصاعد باحتدام الجبهات العسكرية، فهي تبحث عن ورقة ضغط مُحكمة ترفعها في وجه التمدّد الروسي، لإعادة القبض على سوريا والشرق الأوسط عموماً، لتضع خيار نجاح المفاوضات تحت جناحها مشيرةً بـ (لا) للدور التركي والإيراني أمام نفوذها، مما لن يضع المفاوضات على سكة الحلول مهما اشتد بريقها الإعلامي وصخب رُعاتها. وكان طيران التحالف الدولي قد قام بعملية إنزال باتجاه منطقة الكرين في ريف الرقة لعناصر من قوات سوريا الديموقراطية قرب بلدة الطبقة الخاضعة لسيطرة داعش في إطار هجوم واسع النطاق للسيطرة على السد، كما قصفت 4 جسور مما عطّل الحركة بين شمال الرقة وجنوبها، وأدّت السيطرة على سدّ الطبقة ومطارها للتحكّم في تدفّق المياه في نهر الفرات من منطقة جرابلس إلى المدينة، وإغلاق طرق إمداد داعش من الشمال الغربي تمهيداً لقيام فيدرالية كردية في الشمال السوري، وتزامن ذلك مع إعلان حزب مسعود برزاني وحزب جلال طالباني في العراق موعداً للاستفتاء على الانفصال في تمهيد لتشكيل كردستان الكبرى، وتشكل هذه الخطوة دعماً عسكريّاً أميركيّاً كاملًا ومعلناً للأكراد. وكان وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لورديان قد صرّح عن استعداد قوات بريطانية وفرنسية للمشاركة مع القوات الأميركية لدخول عاصمة الدولة الإسلامية بمساعدة القوات الكردية، وإذا تمكّنت قوات سوريا الديمقراطية من السيطرة على بلدة مسكنة فستقطع طريق حلب الرقة لمنع عملية تحريرها، ومع تقدّمها باتجاه الضفة الجنوبية لنهر الفرات سيصبح الجيش العربي السوري وحلفاؤه في مواجهة مباشرة معها. أما على خط الجبهة الجنوبية السورية فيشكّل الأردن المنصّة الرئيسية لدعم الإرهابيين مع رفع وتيرة التسليح والتمويل والدعم اللوجستي، ولم يكن احتضان المخابرات الأردنية للمنظمات الإرهابية في حوض اليرموك جنوبي غربي درعا بأقل من المخابرات الصهيونية، حيث احتدم السباق بين الجماعات المسلّحة التي اتّحدت برعاية أميركية وأردنية لبسط نفوذها في البادية السورية وأبرز نقاطها جبل مكحول، وتمكّنت من السيطرة على تل دكوة الواقع بريف محافظة دمشق الجنوبي الشرقي بهدف إقامة منطقة عازلة أيضاً، في حين سيطر الجيش العربي السوري على 12 قرية في ريف السويداء لقطع الطريق بين مناطق الغوطة الشرقية والحدود الأردنية، وكان وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون قد صرّح أن بلاده ستعمل على إنشاء مناطق آمنة مؤقتة للنازحين في العراق وسوريا. أما إسرائيل ومنذ صرّحت شركة "آفك أويل" الإسرائيلية عن وجود مخزون نفطي يقدّر بمليارات البراميل تكفي احتياجات إسرائيل من النفط لعشرات السنوات قادمة، لم يتردّد نتنياهو عن الإعلان في أكثر من مناسبة عن جعل الجولان جزءاً لا يتجزأ من إسرائيل وأمنها الإقليمي والمائي واليوم النفطي، فلم تتردّد بالمشاركة بالحرب على سوريا بدعم الجماعات الإرهابية في درعا والقنيطرة، وإدخال جرحى الإرهابيين إلى مشافي الكيان الإسرائيلي عبر معبر المعلّقة قرب بلدة غدير البستان، وقامت بعمليات اغتيال واسعة شملت عدداً من المقاومين لمنع تشكل مقاومة مشابهة للمقاومة اللبنانية من حيث التدريب العسكري واللوجستي في الجولان المحتل وضمان بقاء الجولان خارج حسابات القيادة السورية. أما روسيا فليست بأقل إصراراً من الولايات المتحدة وفرنسا على امتلاك الجبهة الساخنة من يد داعش، وإن كانت ستترك للتحالف وقوات سوريا الديمقراطية فرصة التنزّه على الأرض كما تركت سابقاً للأتراك، بانتظار أن تتّضح الصورة الكاملة لوجهة النظر الأميركية الكاملة بعيداً عن الطروحات الفردية لكل من الرئيس الأميركي دونالد ترامب وصقور المخابرات الأميركية والأمن القومي، حيث أن الروس لن يسمحوا للأميركيين أو الصهاينة (بإيقافه) تمددهم في المنطقة خصوصاً لأنه مرفق بدعم الدبلوماسية السورية التي ستعمل لمنع اسرائيل من استثمار الغاز السوري في الجولان وبيعه في السوق الأوروبية. وكانت بعض المواقع  قد تحدثت عن إنشاء قاعدة عسكرية روسية في عفرين، للحرص على عدم ترك الأكراد لقمة سائغة لواشنطن، مع احتمالية استخدم قواعد عسكرية إيرانية لمكافحة الإرهاب في سوريا. الكعكة السورية باتت على وقع التقسيم الفعلي بين قوى وأذرع، فمخطّط تقسيم سوريا إلى دويلات أصبح واقعاً حيّاً ولم يعد سيناريو محتملاً في الشمال والجنوب، ولغة القوة هي من تحكم خريطة المعادلة السياسية بالمنطقة والمصالح المشتركة والتي ترجّح وجود تفاهمات أميركية غير معلنة تنطوي على تنازلات متبادلة مع حلفائها بشأن الصراعات في الشرق الأوسط.