تساؤلات حول الحلقة الثانية من وثائقي عبد الناصر "زيارة جديدة"
كنت أتمنّى لو أعطت الحلقة حيّزاً أكبر لمناقشة فكرة شائعة تقول إن "سوريا المُهدّدة بالحشود من كل صوب لجأت إلى الوحدة مع مصر"، فيما التدقيق التاريخي يُشير إلى أن توجّه سوريا نحو الوحدة مع مصر قد سبق هذه التهديدات والحشود.
1- لقد تناولت الحلقة مرحلة أواسط الخمسينات التي قادت إلى الوحدة بين مصر وسوريا (في 22 شباط/فبراير 1959)، وحبّذا لو توقّفت اكثر أمام أحداث كبرى عاشتها الأمّة في تلك المرحلة كمؤتمر باندونغ (1955) وما تلاه من حركة عدم الانحياز، وككسر احتكار السلاح (1955) وكتأميم قناة السويس (يوليو 1956)، وما تلاه من عدوان استعماري صهيوني ثلاثي على (مصر اكتوبر 1956)، وغيرها..
فهذه الأحداث، لا سيما العدوان الثلاثي، مُتصلة بشكل مباشر بالظروف التي أدّت لقيام الوحدة، وقد كان لها تداعيات وآثار على مستوى المنطقة والعالم، وهي تشابه إلى حد كبير الظروف التي تعيشها أمّتنا منذ سنوات.
2- لقد كنت أتمنّى لو أعطت الحلقة حيّزاً أكبر لمناقشة فكرة شائعة تقول إن "سوريا المُهدّدة بالحشود من كل صوب لجأت إلى الوحدة مع مصر"، فيما التدقيق التاريخي يُشير إلى أن توجّه سوريا نحو الوحدة مع مصر قد سبق هذه التهديدات والحشود، بل أن هذه التهديدات والحشود ما كانت لتحصل إلا لتمنع سوريا العروبة من التوجّه نحو الوحدة مع مصر خصوصاً بعد دور السوريين في الانتصار لمصر بوجه العدوان (الشهيد جول جمال،نسف أنابيب الآي بي سي وقطع النفط عن دول العدوان الغربية).
ففي 17 نيسان 1956 ( عيد الجلاء في سوريا) رفع حزب البعث في دمشق شعار "الاتحاد مع مصر"، واشترط مؤسّسه وأمينه العام ميشيل عفلق لمشاركة الحزب (وكتلته البرلمانية تضم 17 نائباً ووزنه الجماهيري كان كبيراً) في الحكومة الجديدة رأى صبري العسلي أن يتضمّن بيانها الوزاري دعوة للوحدة مع مصر، وهو ما حصل فعلاً في تموز/يوليو من العام ذاته.
فالوحدة إذن كانت مطلباً جماهيرياً سورياً وقومياً قبل الحشود والتهديدات.
3- إن القومية العربية لم تكن إيديولوجية عند حزب البعث وحركة القوميين العرب، كما أشار الأستاذ نجاح واكيم، بل كانت تأكيداً على "هوية" جامعة تنطوي على مشاريع نهوض، وكانت "حركة "تدعو إلى وحدة الأمّة.. وهذا ما يحتاج إلى توضيح ، خصوصاً أن أدبيات الحزب والحركة وعموم الفكر القومي العربي موجودة.
4- في الحلقة مناقشة للعلاقة بين عبد الناصر والبعث، وحبذا لو اتّسعت الحلقة لسماع وجهة نظر بعثية في هذه العلاقة لكي تكتسب قدراً أكبر من الموضوعية، خصوصاً إن البعثيين في علاقتهم مع عبد الناصر لم يكوّنوا رأياً واحداً.
5- في الحلقة بعض الأخطاء التاريخية منها إن المرحوم صبري العسلي أحد نواب رئيس الجمهورية العربية المتحدة قد استقال من منصبه مع الوزراء البعثيين، والحقيقة إن استقالة العسلي، الذي كان آخر رئيس وزراء سوري قبل الوحدة حصلت في أيلول/سبتمبر 1958 (على خلفية ثورة 14 تموز في العراق) وليس في أواخر 1959 يوم استقالة الوزراء البعثيين التي اعتقد شخصياً أن فيها نوع من التسرّع وحتى النزَق.
ومن الأخطاء أيضاً إن المرحوم أكرم الحوراني أحد القادة الثلاث التاريخيين لحزب البعث، وآخر رئيس لمجلس النواب السوري قبل الوحدة مع مصر، لم يعيّن رئيساً للوزراء في سوريا بعد الوحدة، بل كان نائباً لرئيس الجمهورية وبقي حتى استقالته في الأيام الأخيرة من عام 1959 (أي بعد أقل من عامين على قيام الوحدة).
وأخيراً....أؤكّد مجدّداً إن هذه الملاحظات لا تقلّل أبداً من أهمية العمل التوثيقي الهام، جهداً وتوثيقاً ورسائل في أكثر من اتجاه.