صحراء ميدي .. من خاصرة رخوة إلى ملحمة للانتصارات
رغم الحصار الذي طال الحجر والشجر لازال ما فعلته القوات التابعة لحكومة صنعاء في صحراء ميدي حولّها من خاصرة رخوة كان من الممكن أن تدخل منها قوات التحالف إلى العاصمة صنعاء، إلى معجزة أسطورية تُدرّس في الخطط العسكرية بفعل ما تكبّدته هذه القوات من خسائر، والصمود البطولي يؤكّد رفض اليمنيين للتدخّل الخارجي وضرورة معالجة الإشكالات بينهم داخلياً،
تقع صحراء ميدي في المنطقة الساحلية للبحر الأحمر الشرقية الشمالية لليمن محاذية للحدود الجنوبية للسعودية، ومنذ اندلاع حرب التحالف على اليمن التي تقودها السعودية اعتقد الكثير من المحلّلين العسكريين أن تكون صحراء ميدي بمثابة الطريق نحو صنعاء واحتلال اليمن، نظراً لطبيعتها الساحلية المنبسطة حيث كانت المنطقة هدفاً للغارات الجوية منذ اليوم الأول للحرب، ناهيك عن القصف المدفعي البرّي من الحدود السعودية وقصف البوارج الحربية من البحر الأحمر، أي بحصار برّي وبحري وجوّي لم تتمكّن قوات التحالف من التقدّم في المنطقة إلا اليسير، وسرعان ما تخسر المواقع التي تقدّمت فيها، حيث أوكلت مهمة السيطرة على المنطقة للقوات السوادنية المشاركة في الحرب على اليمن نظراً للخبرة التي كسبتها هذه القوات خصوصاً حروب دارفور وغيرها من الأقاليم السودانية التي تعرف نزاعاً. ونقلت العديد من وسائل الإعلام التابعة لحكومة صنعاء وجماعة أنصار الله الحوثية العديد من العمليات التي خاضها الجيش اليمني واللجان الشعبية منذ اليوم الأول للعدوان، وتم فيها صد التحالف السعودي وسطّر فيها الجيش اليمني أروع البطولات حَسْب وسائل الإعلام تلك منها ما سُمّي بمصيدة الصحراء، ولكن المقاومة التي واجهتها هذه القوات توحي أن هناك قوات خاصة من الحرس الجمهوري في الجيش اليمني تقاتل في هذه المنطقة المنبسطة والتي لا توجد بها تضاريس وعرة كالجبال والأودية وغيرها، وهو ما يؤكّد أن الأرض تقاتل مع أصحابها، فكيف بمنطقة منكشفة ساقطة بالحكم العسكري نظراً لكثافة الغارات الجوّية والعتاد الكبير من دبّابات وآليات مدرّعة تتقدّم لاحتلال المنطقة من دون جدوى، حيث عرض تلفزيون المسيرة الموالي للحوثيين زيارة قام بها بعض الكتّاب الصحفيين إلى المنطقة للوقوف على إنجازات الجيش التابع للمجلس السياسي في صنعاء.يذكر أن جلّ الجيش النظامي وقوات الحرس الجمهوري المدرّبة لازالت تدين بولائها لحكومة صنعاء مدعومة بما يُسمّى اللجان الشعبية التابعة للحوثيين وحزب الرئيس السابق علي عبد الله صالح، وبعض القبائل اليمنية التي رفضت حرب التحالف بقيادة السعودية على اليمن.وهو ما يُفسّر الصمود الأسطوري لهذه القوات لأكثر من ثلاث سنين، حيث قامت السعودية بقيادة تحالف عربي لم يلقَ إجماعاً عربياً بحجّة إرجاع الشرعية في اليمن بعد فشل جلسات الحوار الداخلي، نظراً لتدخّل أطراف خارجية جرّت اليمن إلى مثل هذه الحرب في إطار سياسة تدمير الشعوب العربية الممنهجة منذ عدوان الحلف الأطلسي على ليبيا مروراً بسوريا والعراق واليمن، حيث لم تشارك في التحالف سوى السعودية والإمارات والسودان والبحرين ومصر والأردن والمغرب وقطر التي انسحبت مؤخراً بفعل الخلاف مع السعودية، ولكن مشاركة بعض الدول رمزية وجاءت تلبية لمطالب السعودية والتي قدّمت أموالاً لهذه الدول أو هدّدتها بقطع التمويل عنها، كما استعانت السعودية بالكثير من المرتزقة ومنظمة بلاك ووتر الإرهابية الأميركية التي عبثت في العراق أثناء الاحتلال الأميركي له، لكن منذ تدمير معسكرات التحالف في مأرب بصاروخ باليستي والذي اعتبر يومها منعرجاً في الحرب على اليمن، وموت العديد من جنود هذه الدول الذين ظنّوا أنهم في نزهة، قامت هذه الدول بسحب جنودها النظاميين وأفراد من العائلة الحاكمة خاصة السعودية والإمارات، كما قامت أيضاً منظمة بلاك ووتر بسحب بعض مرتزقتها بعد مقتل قائدها والعديد من أفرادها في المواجهات العسكرية المباشرة أو في كمائن على يد الجيش اليمني . فرغم الحصار الذي طال الحجر والشجر لازال ما فعلته القوات التابعة لحكومة صنعاء في صحراء ميدي حولّها من خاصرة رخوة كان من الممكن أن تدخل منها قوات التحالف إلى العاصمة صنعاء، إلى معجزة أسطورية تُدرّس في الخطط العسكرية بفعل ما تكبّدته هذه القوات من خسائر، والصمود البطولي يؤكّد رفض اليمنيين للتدخّل الخارجي وضرورة معالجة الإشكالات بينهم داخلياً، واستئناف جلسات الحوار الوطني والعودة للمسار السياسي والذي نعتقد إنه السبيل الوحيد لحل الأزمة، فالتحالف لا يستطيع أن يقضي على الشعب اليمني أو على جزء منه رغم الشعارات الطائفية والقبلية التي يرفعها لمُعاداة طرف عن طرف، فالحوثيون أو حزب المؤتمر الوطني هم يمنيون، وبالتالي هم أحق من السعوديين وغيرهم في الحديث عن مستقبل اليمن أو تحديد مصيرهم ومن يحكمهم، فلابدّ من رفع الحصار عن الشعب اليمني وفوراً فهو لا دخل له في هذه الحرب التي فُرِضت وعليه وعلى كل عاقل أو مسلم أن يُنادي بذلك.