العماد ميشال عون رئيساً ماذا بعد؟

نعم أول ثمار النصر هو انتصار لبنان لذاته الوطنية بعمقها القومي بحسم قضية الرئاسة وإعادة الاعتبار للدولة ومؤسساتها والرهان الأكبر لاستكمال النصر يعتمد على إرادة الشعبين الأردني والفلسطيني والذي يجمعهما شعار (شعب واحد لا شعبين.. دم واحد في العرقين) كما كان يقولها الرئيس الراحل ياسر عرفات بإسقاط اتفاقية أوسلو وتوابعها ومعاهدة وادي عربة ومصائبها مستندين إلى صمود سوريا ونصرها في معركة الوجود القومي المقاوم.

أول ثمار النصر هو انتصار لبنان لذاته الوطنية بعمقها القومي بحسم قضية الرئاسة
تداعيات انتخاب الجنرال عون رئيساً في لبنان على كيانات الحوض السوري قلباً وأطرافاً.
كيف تُقرأ في هذا الظرف المتغيّر الصعب؟

الفراغ الرئاسي الأطول في لبنان تمّ حسمه أخيراً لمصلحة الجنرال عون المدعوم بقوة من حزب الله وقوى المقاومة الوطنية وأنصار شعار حماية الدولة ووحدة الوطن. 

الحدث في كل المقاييس ليس عادياً، ويجب أن يقرأ بكل جدية وهدوء. فخصوم الأمس الأشداء قدموا خطاباً منطقياً وعقلانياً لعودة الوعي بأهمية الدولة ومؤسساتها، حتى لو كان خيارهم مُرّاً كما يقولون. 

الأصدقاء شعروا بزهوة النصر ولكن بحذر شديد، على اعتبار أن المنتصر هو لبنان بأسره، وليس محوراً أو تياراً بعينه. فالفراغ كان يخدم مشروع التفكيك وإسقاط الدولة، وتعبيد الدرب لمسار الفوضى، فكانت هذه الخلاصة هي كلمة السر التي جمعت كل المسارات متجاوزين مخاطر المشروع "الامبريالي التفكيكي"، والذي كان لبنان أول من دفع الثمن غالياً من أجل إنجازه في حرب 2006 والذي عبّرت عنه كونداليزا رايس بقولها "نحن الآن أمام تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد".

وقد حقق لبنان صموده وانتصاره بإرادة المقاومة وحلفائها، وشعار وحدة الشعب والجيش والمقاومة على الأداة الصهيونية وحلفائها مما يسمى "دول الاعتدال العربي"، وأفشل هذا المشروع. ولكن المحاولات لم تنته فأصبح الأمر يتطلب تغيير الأدوات والأولويات في الأهداف. 
ولكون لبنان ليس جزيرة معزولة عن واقعه الجيوسياسي، فإن تأثيرات انتصاره هزّت شرايين المشروع الامبريالي وخاصة بعد تحليلهم لمقولة السيد حسن نصرالله "لقد ولّى زمن الهزائم والآتي هو زمن الانتصارت"، فبدأ استهداف التحالف الامبريالي الدولي والإقليمي يبحث عن طريقة لنقل اتجاهات الصراع مع العدو الصهيوني لخلق عدو جديد، فوجدوا ضالّتهم في نظرية "القوس الشيعي" التي أطلقها الملك عبدالله بن الحسين في عام 2004 لصناعة صراع مذهبي في الداخل العربي، كان جلّ ضحاياه في جغرافية الحوض السوري والذي يسمى سوراقيا (سوريا والعراق ). فقد دفعت أميركا وحلفاؤها بكل قوّتها المعدّة سلفاً من أجل إسقاط الدولة السورية بحشد مئات الآلاف من المقاتلين المشحونين روحياً بحقد مذهبي طاغٍ وبمالٍ خليجي طائل أكلته الحرب فيما أكلت. فكان هذا الحشد وحسب التقارير الأممية آتٍ من ما يقارب مئة دولة عضو في هيئة الأمم المتحدة. وتمّ تهميش القضية الفلسطينية قضية العرب المركزية حتى بتنا قاب قوسين أو أدنى من إسقاط المشروع الوطني الفلسطيني برمته. وبدأت الرباعية العربية (مصر والأردن والسعودية والإمارات ) بالسعي العملي الجاد نحو إسقاط نهج المقاومة في المكوّن الفلسطيني من خلال الضغط المالي والإنساني لتفكيك منظمة التحرير الفلسطينية وتفريغها من مضمونها الكفاحي، ومحاصرة كلّ قوة لازال لديها إيمان ولو ضئيل بنهج المقاومة، ومحاولات تسليم زمام الأمور في القيادة الفلسطينية لشخوص يتفقون معهم في النهج والقناعات.

كل ما سبق كان من الممكن إنجازه بتصفية القضية الفلسطينية كما يقول عضو اللجنة المركزية لحركة فتح عباس زكي في لقائه مع الميادين قبل أيام أنه "لولا صمود سوريا ومحور المقاومة لكانت القضية الفلسطينية قد انتهت وأصبحت في خبر كان". 
إذاً ما هو الرابط بين صمود سوريا وانتخاب ميشيل عون رئيساً للبنان؟

وما هو الرابط بين صمود سوريا وتشديد الحملات الإعلامية المذهبية وسياسة التجييش المذهبي الأعمى غير المسبوقة في التاريخ العربي والاستمرار في دعم الجماعات المسلحة بكل الإمكانيات من دول الخليج وعلى رأسها السعودية والأردن الرسمي وإسرائيل والخلط المتعمّد بين الإرهابي المتطرف والإرهابي المعتدل. 
وبناءً على ما سبق نستطيع القول إن صمود سوريا وحلفائها ومحورها في هذه الحرب الكونية الشرسة فرض الجنرال عون رئيساً كخيار متفق عليه دولياً وإقليمياً ووطنياً لفتح الباب أمام تسويات تجري الآن في الغرف المغلقة وسقوط مشروع إسقاط الدولة السورية وتفكيكها كما تشتهي الاستراتيجية الأميركية فمعادلة لبنان وسوريا لايمكن فصلهما فهما حالة واحدة يجمعهما شعار ( سوى ربينا ) ومصالحهما المشتركة ومجالهما الحيوي الموحد والمتداخل لايسمح لأي طرف منهما بالتفكير بالنأي بالنفس بعد اليوم.
 
وأمّا الرابط الثاني فلا زالت أدوات المشروع الإمبريالي الصهيوني الرجعي العربي تحاول جاهدة وبتوجيه أميركي إسرائيلي مباشر باستخدام كل ما تملك من وسائل ضغط لفرض تحالف عربي إسرائيلي إقليمي معلنْ لمواجهة عدوّ افتراضي تم تصنيعه في المختبرات الفكرية والسياسية الغربية والإسرائيلية يتمثّل في الصراع المذهبي والذي يتم تأجيجه تحت شعارات حقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب المبهم المعالم لديهم .ومحاولة كسر أي حلقة مهما كانت ضعيفة لإعاقة هذا المشروع لكي يساعد في استمرار الصراع مع الاعتراف بأن سوريا وحلفائها لديهم إرادة الانتصار في هذه الحرب ضد القوى الإرهابية بكافة مسمّياتها. وجلّ ما تسعى له دول هذا المحور هو الذهاب إلى طاولة المفاوضات بشكل مباشر أو عبر وكلاء لعلّهم يحصلون على بعض النتائج و أهمّها فرض تحالفهم مع الدولة الصهيونية بشكل معلن من دون معوقات سورية لاحقاً وخاصة أنهم يسارعون الآن لعقد الاتفاقيات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ذات البعد الاستراتيجي مع إسرائيل حماية للذات حتى لو كانت على حساب مصالحنا القومية وكرامتنا الوطنية.

ولكن لايمكن للمنتصر أن يتراجع وهو يعلم يقيناً بأنّ هذه الحرب وهذا الكم من الضحايا والدمار لم تكن لولا الموقف المقاوم للمشروع الصهيو-أميركي، ولايمكن للمهزوم الذي خسر ماله وكرامته الوطنية والقومية والإيمانية بعدالة الرحمن أن يقف على قدميه ويضع شروطه ويقول أين دوري في المنطقة والإقليم؟ 

نعم أوّل ثمار النصر هو انتصار لبنان لذاته الوطنية بعمقها القومي بحسم قضية الرئاسة وإعادة الاعتبار للدولة ومؤسساتها 
والرهان الأكبر لاستكمال النصر يعتمد على إرادة الشعبين الأردني والفلسطيني والذي يجمعهما شعار (شعب واحد لا شعبين..دم واحد في العرقين) كما كان يقولها الرئيس الراحل ياسر عرفات بإسقاط اتفاقية أوسلو وتوابعها ومعاهدة وادي عربة ومصائبها مستندين إلى صمود سوريا ونصرها في معركة الوجود القومي المقاوم والصمود في مواجهة المؤامرة بإعادة إحياء مشروع إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وحق العودة وتقرير المصير وحماية الأردن من مؤامرة الوطن البديل.