سوريا.. نقمة أم نعمة الجغرافيا

يمكن القول بأن جغرافية سوريا بفعل موقعها الاستراتيجي تحوّلت إلى ساحة صِراع وتنافُس من خلال تحكّمها بمرور خطوط الغاز والنفط عبر أراضيها، ماجعلها نعمة من جهة ونقمة من جهة أخرى من خلال ترويج البعض لفكرة الفدرلة والدفاع عنها باعتبارها المصير الحتمي لنهاية الصرِاع.

سوريا ترزح تحت الحرب منذ أكثر من خمس سنوات
سوريا الكبرى مُصطلح جغرافي تاريخي وقع بفخ الجغرافيا. ويعود ذلك إلى موقعها المُميّز في قلب العالم القديم. حيث أتت اتفاقية سايكس – بيكو عام 1916على المنطقة كلها عبر إعادة رسم خرائطها وفق خطوط تقسيم جديدة  مزّقت مُصطلح سورية الكبرى وحدودها.

فيليب حتّي الباحث في جامعة برينستون وصف سوريا الكبرى أو التاريخية بأنها: "أكبر دولة صغيرة على الخريطة. فهي مِجهرية في حجمها لكنّها كونيّة في نفوذها". فسوريا كانت مقرّاً للدولة الأموية. كما كانت مسرحاً للحروب الصليبية بين الإسلام والغرب. أي أنها القلب من منطقة الشرق الأوسط.

قسّمت سايكس - بيكو سوريا الكبرى إلى منطقتين رئيسيتين فرنسية وبريطانية. وعرّضتها إلى  اقتطاعات جغرافية عدّة بتجزئة فلسطين إلى دولتين عربية وإسرائيلية. أما المنطقة الفرنسية فحاولت فرنسا تجزئتها إلى أجزاء طائفية عدّة وفَرضها كأمرٍ واقع. لكنّها فشلت بذلك وتوحّدت تلك الأجزاء في عام 1936 تحت مُسمّى الجمهورية السورية.

وكان اقتطاع لبنان الانفصال الأول عن سوريا الأمّ الذي فصلته فرنسا عنها عام 1936. ما أدّى إلى خسارة الجغرافيا السورية منفذاً هاماً لها على البحر المتوسّط.

تلاه اقتطاع آخر تعرّضت له الجغرافيا السورية عبر انتزاع لواء إسكندرون (4800كم2) وإعطائه لتركيا من قِبَل فرنسا في عام 1939. مضافاً إليها في عام 1967 خسارة سوريا للجولان السوري المُحتل (1860كم2)، ومروراً بهذه الاقتطاعات الجغرافية تقلّصت مساحة سوريا من سوريا الكبرى (314.922كم2) إلى سوريا الجمهورية (185.180كم2) والتي تشكّلت حدودها الحالية عبر مراحل طويلة من المؤتمرات والاتفاقيات حيناً والصِراعات والمؤامرات حيناً آخر.

والجدير بالذكر أن اتفاقية سايكس – بيكو التي قسّمت سوريا الكبرى ورسمت حدودها،  وقاتل السوريون ضدّها من دون القدرة على تغييرها. أصبحت في ما بعد حقيقة قائمة وواقعة. والسوريون اليوم يُحاربون ويُقاتلون للحفاظ على خطوط تقسيم سايكس – بيكو. أي الحفاظ على الجغرافيا الحالية لسورية. خوفاً من سايكس بيكو جديد.

اليوم دخول سوريا في دوّامة العُنف من خلال أحداث "الربيع العربي" شكّل انتكاسة خطيرة  لجغرافية سايكس – بيكو، وفَرَضَ واقعاً جغرافياً جديداً عبّرت عنه  أطماع بعض دول الجوار في بُقع جغرافية مُحدّدة من سورية. الأمر الذي انعكس سلباً على الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي السوري.

وكما مثّلت سوريا الكبرى قطباً جغرافياً في منطقة الشرق الأوسط، ورثت سوريا الجمهورية التركة الجغرافية والتاريخية لسورية الكبرى وحملت نتائجها وتداعياتها الخطرة. كون التاريخ والجغرافيا السوريين كانا ومازالا  بؤرة الصراعات والاضطرابات في العالم العربي وفي سورية ذاتها.

فتركيبة سوريا الجغرافية الداخلية مُعقّدة ومُتداخِلة حيث كل طائفة ودين يرتبطان بمنطقة جغرافية مُحدّدة. حتى مناطق الحدود السورية تتواجد فيها طوائف وعرقيّات ترتبط بدورها مع طوائفها وعرقيّاتها الاقليمية في الدول المجاورة. كالحال الكردية السورية المُرتبطة جغرافياً وعرقياً بتركيا وإيران والعراق. والحال الدرزية المُرتبطة بمرجعيّات لبنانية. كذلك حلب الواقعة في شمال سورية والتي هي مدينة تجارية تمتلك روابط تاريخية بالموصل وبغداد في العراق. ما جعل معركتها الحالية ذات أهمية حاسمة في الصِراع الدائر حالياً من خلال تنافُس القوى الاقليمية والدولية عليها ومحاولة كل منها حسم الصِراع لصالحها. ولا تنتهي القائمة بإدلب البوابة الشمالية لسورية التي تطل منها على تركيا و أوروبا.

مما سبق يمكن القول بأن جغرافية سوريا بفعل موقعها الاستراتيجي تحوّلت إلى ساحة صِراع وتنافُس من خلال تحكّمها بمرور خطوط الغاز والنفط عبر أراضيها، ماجعلها نعمة من جهة ونقمة من جهة أخرى من خلال ترويج البعض لفكرة الفدرلة والدفاع عنها باعتبارها المصير الحتمي لنهاية الصرِاع. فأصبحنا نسمع بسوريا المفيدة. وبإقليم روج أفا "الإقليم الكردي الذي يسعى الأكراد الى إقامته". وبعدّة مُقاربات وطروحات لكيفية تمزيق جغرافية سوريا إلى كانتونات طائفية وعِرقية مُتناحِرة في ما بينها.

بالنتيجة تقلّصت مساحة الجغرافيا السورية من سوريا الكبرى إلى سوريا الجمهورية. ومنعاً لتحوّل سوريا الجمهورية الى جمهوريات فدرالية، وانطلاقاً من  أن التفكير جغرافياً: يعني تقليص خيارات البشرية. يجب على السوريين  تقليص وتوجيه  خياراتهم وحصرها بالحفاظ على جغرافيّة سوريّة واحدة وموحّدة، ومساعدتها لاستعادة  دورها التاريخي المُنبثق من حقيقة موقعها الجيوبوليتيكي في المنطقة.