قانون الحشد الشعبي : حماية أم احتواء أم إطلاق يد؟
تبنّى البرلمان العراقي في جلسته المُنعقدة بتاريخ السادس والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر 2016 قانوناً يتعلّق بحماية الحشد الشعبي وسط لغط وخلافات عميقة بين النواب.
بقراءة أولى للقانون نجد أن المشرع قد حدّد الأسباب الموجِبة لسنّه حيث نصّ حرفياً على أنه" لغرِض توفير الحماية القانونية لفصائل وتشكيلات الحشد الشعبي التي توفّر الغطاء والجواز الشرعي لتدخّلهم العسكري، وإضفاءً للمشروعية على ما يصدر من أفرادهم أثناء الاشتباك مع العدو في المناطق القتالية، ولتنظيم أعمالهم وجعلها تحت نظر الحكومة العراقية، للحيلولة دون السماح باستهدافهم عاجلاً او آجلاً بذرائع مختلفة، ولتأمين أوضاعهم المالية وحقوقهم... شرّع هذا القانون".
ويتضّح من عبارات هذا النص أن غايته حمائية بالأساس وأن المراد منه هو شرعَنة أعمال عناصِر الحشد الشعبي واعتبارهم عَضَداً لقوات الأمن والجيش وتقنين تحرّكاتهم القتالية.
وقد عبّر القانون عن هذا التوجه صُلب المادة الأولى التي جاء بها أن فصائل وتشكيلات الحشد تُعدّ كيانات قانونية "باعتبارها قوة رديفة وساندة للقوات الأمنية العراقية، ولها الحق في الحفاظ على هويّتها وخصوصيّتها، مادام لا يُشكّل ذلك تهديداً للأمن الوطني العراقي".
لكن ما يُثير الجدل حول هذا القانون هو التأكيد على "إضفاء المشروعيّة" على ما يصدر عن أفراد الحشد أثناء المعارك والقتالات من دون التنصيص على جزاء التجاوزات والإخلالات التي قد تصدر عنهم، وكذلك القانون المنطبق عليها ( القانون الجزائي المدني أو القانون الجزائي العسكري) ما قد يُفهَم معه على أن هذا النص جاء ليُطلق يد الحشد الشعبي في العراق ويمنحه سلطة موازية لسلطات الأمن والجيش النظاميين، ويجعله علاوة على ذلك فوق المُساءلة الجزائية، وهو تأويل مُمكن بالنظر إلى منطوق المواد الإحدى عشر المؤلّفة للقانون والتي سعى من خلالها المُشرّع إلى تكريس حقوق "الحشديين" كالحق في استخدام القوة ( المادة 4)، والحق في توفير المُستلزمات والاحتياجات من قِبَل الحكومة العراقية ( المادة 5)، والحق في الرواتب والحقوق التقاعُدية ( المادة 6)، وسَكَتَ بالمقابل عن تحديد التزاماتهم باستثناء ما جاء في المادة 3 من أن ممارسة "فصائل وتشكيلات الحشد الشعبي لمهامِها وأنشطتها العسكرية والأمنية تكون بطلب وإيعاز من القائد العام للقوات المُسلّحة، وبالتنسيق معه ابتداءً واستمراراً عند وجود تهديدات أمنية تستدعي تدخّلها الميداني، لردع تلك التهديدات واجتثاثها"، وهو نصٌ يتيم ربَطَ هيكلياً بين تشكيلات الحشد والمؤسسة الأمنية والعسكرية الحكومية لكن من دون أن يُرتّب جزاء عن الإخلال بهذا الالتزام، ما يجعله التزاماً أدبياً أكثر منه قانونياً ويمنح للحشد سلطة تقدير في الأخذ به من عدمه.
إن القانون على شاكلته هذه يبدو مُرتجلاً وأقرب إلى الرغبة في احتواء "الميليشيا" حتى تبقى يد الدولة هي العُليا ولكي يُحارب الحشد التنظيمات الإرهابية بإسم العراق وليس بإسم الطائفة التي ينحدر منها.
وبالرغم من التأكيد اللغوي على الطابع الحِمائي للقانون إلا أن المُشرّع العراقي أراد، من وجهة نظرنا قطعاً، أن يستقطب هذه الفصائل الخارجة عن النظام إلى داخل النظام تحت مُسميّات المُعاضدَة أو المُساندَة أو غير ذلك حتى يتلافى أي احتمال للتصادُم أو الخروج عن السيطرة، وهو سعي مشكور لولا الهنّات التي أشرنا إليها في معرض التحليل.
من جهة ثانية يطرح "قانون الحماية" أكثر من إشكالية في التطبيق فلئن نصّ على ارتباط الحشد هيكلياً ووظيفياً بالقوات المُسلّحة العراقية، فقد أكّد على حقّ هذا التشكيل في المُحافظة على هويّته وخصوصيّاته. فما المقصود بذلك؟؟ هل أن عناصر الحشد مدنيّون أم عسكريون؟؟ وترتيباً على ذلك ماهو الأساس القانوني لمسؤوليتهم الجزائية؟ هل يمكن لهم الدفع بهويّتهم المدنية أمام المحاكم العسكرية؟؟ هل أن التشكيل ظرفي أم دائم؟؟ وهل يمكن حلّه قضائياً؟؟
حقيقة يبقى القانون صامتاً عن تنظيم جُملة هذه المسائل ويبدو أنه من الأجدى تنقيحه حتى يستوعب موضوع التقنين بمختلف تفاصيله ولا يقتصر دوره على مُجرّد إضفاء المشروعية لأعمال قِتالية قد تنحرف عن غايتها من حين إلى آخر.