أحمد جبريل.. الرجل الذي بقي وفياً للبندقيّة

لم تكبّله الأيديولوجيا، ولم يكن يميِّز بين إسلامي ويساري ووطني وقومي عربي، ما دامت فلسطين هي الهدف، والبندقية هي السبيل. بالنسبة إلى أحمد جبريل، فلسطين تجمعنا، والثورة أمنا وأبونا، وكفى!

  • أحمد جبريل.. الرجل الذي بقي وفياً للبندقيّة
    أحمد جبريل.. الرجل الذي بقي وفياً للبندقيّة

الرفيق المناضل والأخ المجاهد أحمد جبريل في ذمة الله. هو من الجيل الأول المؤسّس للثورة الفلسطينية في ستينيات القرن الماضي؛ جيل البندقية والجبال والأغوار والكهوف والأنهار، جيل الـ"أر بي جي" والكلاشنكوف؛ الجيل الذي نهض من غبار نكبة فلسطين ليرفع راية الثورة والمقاومة في أحلك الظروف وأصعبها.

لم يلِن يوماً ولم يهن. بقيت بوصلته نحو القدس، وظلّ طريقهُ الكفاح المسلّح. لم يتلوّن ولم يتلوّث، وبقي ثابتاً على مواقفه، وقابضاً على البندقية. ابتعد عن السياسة ودهاليزها. لم تكن فلسطين بالنسبة إليه طاولة مفاوضات أو جولة مباحثات أو "أوسلو" ومناطق "A" و"B" و"C"، ولم تكن أيضاً حدود 67، بل هي كلّ فلسطين، من البحر إلى النهر، ولم يعرف غيرها.

في العام 1985، نجح أحمد جبريل في عقد أول وأهم صفقة تبادل أسرى مع العدو الإسرائيلي، استطاع من خلالها تأمين إطلاق سراح 1150 مجاهداً ومناضلاً فلسطينياً من سجون العدو، من بينهم الشيخ أحمد ياسين والفدائي الياباني، بطل عملية اللد، كوزو أوكاموتو، وغيرهما من الفدائيين ذوي الأحكام العالية، في مقابل الإفراج عن مجموعة من جنود العدو.

في العام 1987، كان له دور في التمهيد لانطلاقة الانتفاضة الفلسطينية الأولى، بعد أن كان وراء العملية الفدائية الكبيرة والفريدة من نوعها التي نفّذت بواسطة الطائرات الشراعية عبر الحدود اللبنانية، وهي عملية الشهيد خالد أكر، التي كان لها صدى واسع جداً في أوساط الشعب الفلسطيني في الداخل المحتل على وجه الخصوص، إذ رفعت المعنويات والهمم، وأثارت موجة من الحماس، وأعادت الثقة بالمقاومة والثورة.

فعلاً، لم يمضِ سوى أسبوعين بعدها حتى اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الكبرى. وقد ساهمت إذاعته "القدس – الإذاعة العربية الفلسطينية على طريق تحرير الأرض والإنسان"، التي كان إرسالها ينطلق من دمشق في الحشد باتجاه الانتفاضة الشعبية، عن طريق بثّ بياناتها ونداءاتها. وكان الناس يضبطون أجهزة الراديو على تردّداتها، في زمن لم يكن فيه إنترنت وفضائيات.

في العام 2002، قدَّم ابنه البكر شهيداً في درب الثورة. كان جهاد أحمد جبريل يتولّى مسؤولية التنظيم العسكري وتهريب الأسلحة إلى الأرض المحتلة حين تعرض لعملية اغتيال غادرة على يد الموساد أودت بحياته، ولكنها زادت أباه عزماً وإصراراً على المضي في طريق الثورة.

لم تكبّله الأيديولوجيا، ولم يكن يميِّز بين إسلامي ويساري ووطني وقومي عربي، ما دامت فلسطين هي الهدف، والبندقية هي السبيل. بالنسبة إلى أحمد جبريل، فلسطين تجمعنا، والثورة أمنا وأبونا، وكفى!

عاش عفيفاً نظيفَ اليد. لم يتاجر بالقضية، ولم يبنِ قصوراً، ولم يكنز مالاً. بقي في مخيم اليرموك في دمشق إلى أن مات شريفاً.

رحم الله أبا جهاد.