الخزان الاستراتيجي المغاربي في ملحمة فلسطين.. أي استثمار؟
لا ريب في أنّ أحد أهم مفاصل الاستثمار السياسي لمعركة "سيف القدس"، هو الاتكاء والاتكال على شطر جبهة المقاومة في شمال أفريقيا والمنطقة المغاربية.
الشّعوب الحيّة تتألّم، لكنّها لا تنكسر. تبكي خساراتها، مهما عظمت، لكنّها لا تخطئ البوصلة، لكن حين يتعلق الأمر بالاستثمار السياسي للانتصارات الكبرى في المحطات الملحميّة، كما يحدث اليوم في معركة "سيف القدس"، تنتقل المسؤوليّة إلى كاهل النخب والمفكّرين وقادة الرأي، لترتيب الأولويات وتكييف الخطاب بما يتّسق مع ضرورات اللحظة.
أسئلة القصور في الاستثمار السياسي لملحمة فلسطين
مراجعة الخطط وتطويرها أثناء المعركة ليست بدعة استراتيجية، بل هي في صلب الإدارة الناجحة لأيّ معركة، ومزامنة التوقيت السياسي والدبلوماسي مع إنجاز الميدان تسمح بتوسيع جبهات المعركة وإنهاك العدو الصهيوني بأدوات قد تبدو لبعض أبناء "جبهة المقاومة" هشّة وضعيفة، ولا تليق بجلل القتال، لكنها بعد جمع تفاصيل المشهد العام، وبجرد الحساب الاستراتيجي، قد تكون من بين الأسلحة الحاسمة.
في البدء، من المهمّ جداً الانتباه إلى أنّ ملحمة "سيف القدس" نسفت خلال يومين فقط مخطّطات عقود من التآمر، وأعادت المعركة إلى أصلها النقي البهي في وجدان كلّ الشعوب العربية والإسلامية، وكلّ الأحرار في العالم.
في الشوارع والمساجد والكنائس، عبر الشاشات وفي صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، إحساس غامر بالفخر، رغم غصّة الألم على فقدان الأحبّة من شهداء غزة العزة، وأمل واعد بانتفاضة أبناء فلسطين داخل الخط الأخضر. نَقل الرعب إلى تل أبيب وعسقلان وديمونا، وإدخال 6 مليون إسرائيلي إلى الملاجئ تحت الأرض، أكدا حقيقة أزلية عقائدية هي: "ما النصر إلا صبر ساعة".
في مقابل هذا الزخم والروح المعنوية العالية، يجب الحذر من محاولة تسلّل المتلوّنين و"أدوات الأجندات" عبر منافذ النقاشات الإعلامية والسياسية حول قصور الاستثمار السياسي للانتصار الملحمي. ومن المهمّ جداً الإبقاء على جذوة المقاومة متقدة في وجدان كلّ شعوب جبهة المقاومة، عن طريق قبر ما خلفته سنوات ما يسمى "الربيع العربي" من صراعات وانقسامات وترهّل في جسد الأمة إلى غير رجعة. ولن يتأتى ذلك إلا بتصدّر فرسان السياسة المخلصين للقدس، لاجتراح خطاب يتّسق مع ضرورات المرحلة ويتعالى على كل الخسائر والجراح. إن خطاب حجر الزاوية فيه إخلاص النية لمواجهة عدو الأمة الوحيد والأوحد.
من "محور المقاومة" إلى "جبهة المقاومة"
لا ريب في أنّ أحد أهم مفاصل الاستثمار السياسي لمعركة "سيف القدس"، هو الاتكاء والاتكال على شطر جبهة المقاومة في شمال أفريقيا والمنطقة المغاربية. الأمر لا يحتاج إلى تبيان أو برهان مدى تعلّق الشعوب المغاربية بفلسطين والقدس، وسيكون من الترف التوقف في هذه اللحظة التاريخية طويلاً لسرد إسهامات غرب الأمة لنصرة شرقها، كل شرقها، فذاك واجب وفرض لا يستوجب الشكر أو العرفان، لكن ما يستوجب العمل عليه، وسريعاً، وخلال هذه الأيام الملحمية، هو توجيه قادة محور المقاومة جانباً من خطاباتهم إلى الشعوب المغاربية.
قد لا يلقي أيّ فرد في دول الطوق بالاً لمقطع فيديو تحمل فيه شابة فلسطينية في باحة الأقصى العلم الجزائري، أو كلمة، مجرد كلمة، عن شهداء من تونس الوفاء في صفوف حركة المقاومة الفلسطينية، أو عبارات شحذ لهمم مقاومي التطبيع في مغرب الانتصار للقدس. شعوب المغرب العربي عاطفية ومشحونة بالفطرة، وهي أحوج اليوم إلى من يستثمر في ألمها وحزنها على شهداء غزة، وإلى الاستثمار في فخرها وفرحتها بملحمة سيف القدس... والأهم من ذلك كله العمل على نسف كلّ محاولات التّشويش والتشويه التي طالت محور المقاومة، لربط الشعوب المغاربية بجبهة المقاومة.
الاستثمار السياسيّ وتقاسم الأدوار
من الخطوات التي يمكن البناء عليها، وسريعاً، الدفع بالموقف السياسي الرسمي في المنطقة المغاربية، وتحديداً في الجزائر وتونس، إلى مستويات أكبر وأقوى، وذلك عن طريق دفع الزخم الشعبي والجمعوي والإعلامي إلى أشكال أكثر تنظيماً وتأثيراً في الشارع، وبالتالي في النخب السياسية والحكومات.
إنَّ لحظة الفشل الذريع التي مُنيت بها أجندات التطبيع وحكّام الخيانة في بعض الدول العربية تمنح متّسعاً من المناورة التي يجب اقتناصها في المنطقة المغاربية، لتطوير موقف سياسي رسمي يكون صوتاً لجبهة المقاومة في بعض المؤسسات الإقليمية، مثل الاتحاد الأفريقي مثلاً. والأهمّ أنَّ دولاً وازنة في المنطقة، مثل الجزائر، تجد سنداً شعبياً وزخماً معنوياً يدفع إلى التحرك أكثر في المتاح من المساحات، وذلك قد يكون بداية الاستثمار السياسي للخزان الاستراتيجي المغاربي في ملحمة القدس.