المقاومة الفلسطينية تهزم "تل أبيب" وتُغيّر المعادلة
تبقى التكهنات قائمة حول ما يمكن أن تقوم به "إسرائيل" في الأيام القادمة، ولكن مهما فعلت، فإنها لن تربح الحرب، ولن تستطيع أن تهزم المقاومة.
في الوقت الذي تبثّ بعض القنوات، مثل قناة "الميادين"، سقوط صواريخ كتائب "القسام" على تل أبيب وأسدود وعسقلان على الهواء مباشرة، تبثّ قنوات عربية أخرى المسلسلات والحكايات والأغاني، في محاولة لإلهاء الشعوب عن قضيتها الأساسية، لكنَّ الشعوب الحرة الذكية تتابع باهتمام شديد ما يجري في القدس الشريف، وفي غزة الأبية التي رسمت البطولة من خلال دكّ تل أبيب دكّاً دكّاً، بقاذفات صواريخ أدخلت الرعب في قلوب الصهاينة المستوطنين الَّذين تبجّحوا كثيراً في الأيام الماضية بقوتهم وغطرستهم وجبروتهم.
هذه الصواريخ سقطت على "إسرائيلَ" من حيث لا تحتسب. ظنّ الصهاينة أنهم مانعتهم حصونهم من الصواريخ الفلسطينية المقاومة، لكنَّ الله رمى وسط تل أبيب، فبُهت الإسرائيليون الذين خذلهم نتنياهو وجنودُه، ولم يستطيعوا بكامل جهوزيتهم أن يوقفوا الزحف الجماهيري نحو القدس الشريف، والزحف البطولي الَّذي نفذه المجاهدون الأبطال على تخوم غزة. ولم يستطع العدو أن يتحمل الضربة القاصمة من الثائرين الفلسطينيين على كل الجبهات، وهم يرسمون لوحات من التصدي والمواجهة والقتال والصمود.
فعلاً، هذه هي القوة التي نريدها. هذه هي المقاومة التي تدكّ تل أبيب. الرعب الآن يعمّ "إسرائيل". قذف الله في قلوبهم الرعب، وآتاهم من حيث لم يحتسبوا الرعب الذي دفع رئيس الحكومة الإسرائيلية ورئيس الأركان ورئيس الأمن الداخلي إلى أن يتخذوا قرارات خطيرة وجسيمة.
لقد حوَّلوا كل الرحلات من مطار بن غوريون، وأوقفوا إحدى المناورات الكبرى في تاريخ "إسرائيل"، وجمدوا كلّ الرحلات عبر القطارات، ورفعوا الحواجز في القدس، وحوَّلوا وجهة مسيرة المستوطنين، فما القرارات الأخرى التي سيتخذها نتنياهو لحماية الإسرائيليين من الصواريخ المنهمرة عليهم؟
لقد كسبت المقاومة المعركة، وغيّرت المعادلة، رغم الخسائر الكبيرة التي طالت الإنسان الفلسطيني والأبنية، كما غيّرت وجه الحرب من الدفاع المستميت عن القدس الشريف إلى غزة، لتخفّف الوطء عن القدس، ويتحمل المقاومون المسؤولية العظمى في الدفاع عن الشعب الفلسطيني والمبادرة إلى الهجوم على قلب "إسرائيل"، تل أبيب، "العاصمة" الإدارية والاقتصادية والشريان الرئيس لها.
كلّ شيء له ثمن، وكل شيء له مقابل. ما قام به الصهاينة في القدس الشريف، وفي الشيخ جراح، وفي الأراضي الفلسطينية عموماً، من اعتداء وضرب وتهجير وقتل متعمّد، وغيرها من الأفعال المقيتة التي تدعو إلى المواجهة والتصدّي لهذه العربدة والغطرسة، هو أمر لا يطاق. وما إصرار نتنياهو على مواصلة الاستفزازات بحقّ شعب ضعيف كفّه مخضّبة بدمائه سوى دليل على استخفافه بقدرات الشعب الفلسطيني العظيمة، ولكن كانت سواعد الفلسطينيين قوية في الدفاع عن المقدسات والأرض الفلسطينية.
ويبدو أن المعركة ستتواصل بين "إسرائيل" وغزة، وستتخذ أبعاداً كبيرة أخرى. ستتجه "إسرائيل" إلى صبّ جام غضبها على كل ناحية من نواحي غزة، لكنَّ المقاومة ستفاجئهم كلّ مرة بما هو جديد، وستقول للعدو دوماً: "وإن عدتم عدنا".
هذه المعادلة تستدعي التدخل السريع من الدول العربية التي ما يزال موقفها باهتاً حتى الآن؛ ففي كل مرة، لا تقوم إلا بالشجب والتنديد والمطالبة بضبط النفس، إلا أن ذلك لا يكفي في هذه المرحلة الحساسة، بل يستدعي موقفاً عربياً موحّداً يتمثل في الحد الأدنى بقطع العلاقات كلياً مع "إسرائيل" والضغط عليها بكلّ الأساليب لإجبارها على الرضوخ ووقف الحرب على غزة ووقف استفزازاتها المتواصلة، وهو ما يضاهي الموقف الأميركي الذي لم يكن مفاجئاً، فكلَّما ردّت المقاومة على الاحتلال، وجّهت أميركا لومها إلى المقاومة، وعبّرت عن حقّ "إسرائيل" في الدفاع عن نفسها، وهو موقف هزلي يدعو إلى السخرية.
وفي الوقت الذي يتحدَّث رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية إلى الإعلام بثبات، يتناوب كل من وزير الدفاع الصهيوني ورئيس أركانه وجهاز الأمن الداخلي على إلقاء بيانات مقتضبة، ويظهر على وجهيهما التجهّم والاضطراب، وهو ما يدل على تباين الموقفين والصورتين، وعلى أن المعركة القادمة ستكون ساخنة، كما يبدو، والنصر سيكون للمقاومين بإذن الله تعالى.
صبرٌ جميلٌ، والله المستعان، وعلى المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها الدعاء بالنصر والتمكين للمقاومين في هذه الأيام المباركة، لتبقى القدس لنا، ويبقى شعار المقاومة: إما الانتصار، وإما الشهادة.
هذه هي القوة التي مكّن الله بها المقاومة، وهذه هي القوة التي تجعل العدو يحسب ألف حساب لها، ويستسلم أمام عزيمة المقاومين. ورغم كل ذلك، تبقى التكهنات قائمة حول ما يمكن أن تقوم به "إسرائيل" في الأيام القادمة، ولكن مهما فعلت، فإنها لن تربح الحرب، ولن تستطيع أن تهزم المقاومة، فالنصر للإسلام والمسلمين، والله مع المقاومين، ولعن الله الصهاينة المجرمين.