قيامة المسيح السوري

اليوم، أسترجع الذكريات الجميلة ودورة الكنائس في يوم الجمعة الحزينة. أتذكر الحجارة في الكنائس والأرصفة في الشوارع.

  • قِيامَةُ المسيحِ السوري
    عشرة أعوام مرّت على جُمعة سورية الحزينة

مَدَدتُ يدي لآخذ قطعةً صغيرةً من القطن فيها قليل من الزيت المقدس. شَممتُ رائحة القطنِ. وفجأة، وجدتُ نفسي ذاك الطفل البالغ من العمر ثماني سنوات.

أعادتني رائحة البخور في قدّاسِ "الجمعةِ الحزينةِ" ورائحة قطعة القطن إلى نصف قرنٍ مضى، إلى سنواتِ الطفولةِ الشقية، إلى باعة "الكعك" الموجودين في هذا الوقت في ساحة فرحات في حلب، إلى باعة "الغزلة" وأصوات الأطفال، وصوت فيروز السماوي يرنِّم: "اليوم عُلّق على خَشبة".

عدت ذاك الطفل الذي لم يفهم لماذا عليه واجب إحناء الرأس أمام المسيح المُسجّى، ولماذا عليهِ أن يَطلب منه أن يسامحه على أخطائه "الطفولية". كنتُ أفكِّر لماذا سيهتم بي إن أخذت تفاحة من دون إذن أو كذبت قليلاً لكي أشاهد "التلفزيون"...

عدتُ طفلاً صغيراً لم يفهم الفصح إلّا هدايا وبيضاً ملوّناً و"صيصاناً"، ولم يفهم من الجمعة الحزينة سوى أن يذهب مع الكبار إلى الكنائس، وكان كل اهتمامه عندما يقف محني الرأس – لأن الكبار علّموهُ ذلك – هوَ أن يخرج من الكنيسة إلى ساحة فرحات ليشتري الكبار له "كعكاً" و"بوشاراً"، لأنه فعلَ كما يُريدون، ولم "يُعَذِّبهم" في التجول.

اليوم، أسترجع الذكريات الجميلة ودورة الكنائس في يوم الجمعة الحزينة. أتذكر الحجارة في الكنائس والأرصفة في الشوارع. أتذكر كم لعبتُ عليها وأنا أمسكُ بيدِ خالتي التي رَبتني، واضعاً قدماً على الرصيف وقدماً في الشارع، وكيف كنت أسيرُ معها وهي تشدني، وأتململ كلما وقفنا لتحيةٍ ما، لأنني كنت أنتظر أن نذهب لنشتري الكعكة المدورة المعلقة على قضيب خشبي يرفعه البائع من طرف ويُخرج الكعكة منه، ثم يأتي دور الغزلة الملونة التي أصر على أن يكون لونها زهرياً.

لم أكن أعتبر أنه يوم الجمعة الحزينة ما لم أمارس فيه التقاليد الكنسية التي أفْهمها، وهي الدخول إلى الكنيسة وإحناء الرأس، رغم أن العيون تدور في كل الاتجاهات، وبعدها شراء القطن المقدس، ثم الالتقاء بالناس.

أما في العيد، فإن أهم شيء كان الثياب الجديدة. كنت ألبس "طقماً" كالكبار لكي أبدو كرجل صغير جداً، وكان أهم شيء أن تكون ياقة القميص قاسية، لكي أبدو تماماً كالكبار، ولا أنسى الحذاء الأبيض.

أستعيد هذه الذكريات التي تمر بي الآن، فيغصُّ بها حلقي. أين الكنائس؟ وأين الساحات وباعة الكعك والطفل "باسل" الذي تُغريه بَطنه الصغيرة؟ أين الأطفال والكبار؟ أين دورة الكنائس والحجارة والأرصفة؟ هَاجَرت الحجارة وهاجرت الأرصفة كما هاجر الكثيرون.. صرت أحس صوت فيروز أكثر حزناً، وهذا المعلق على خشبة.. ألن ينزل؟ ألن يُهاجر أيضاً؟

عشرة أعوام مرّت على جُمعة سورية الحزينة. المسيح قام، حقاً قام! وأنا أكتشف بعقلِ ذلك الطفل الصغير "باسل" الذي لم يتجاوز الثامنة من عمره أن المسيح "السوري" هو من قامَ، ومن سوريا.

سوريا التي اعتقدوا أنها ماتت.. ستقوم أيضاً من حلب.