كلّ الأرض فلسطين.. بين تونس و"إسرائيل" تاريخ من الدّم
يدرك أنصار القضيّة في تونس أنّ "إسرائيل" وعملاءها قد يهدفون من خلال ما يجري على الأرض إلى فرض التطبيع كأمر واقع تحت عناوين السلام وحرية المبادرة.
في قلب رحى المعارك السياسيّة الحامية الوطيس، والأزمة الاقتصادية غير المسبوقة، والأوضاع الاجتماعية الصعبة، لم يغفل التونسيون عن إيلاء ذكرى يوم الأرض ما تستحقّ من تحركات وفعاليات تشدّد على ضرورة التمسّك بالحق الفلسطيني، وتطالب بضرورة تجريم التطبيع.
وشّحت الراية الفلسطينية الساحات في مختلف المدن التونسية، وصدحت الحناجر حباً بفلسطين وازدراءً لتخاذل المطبعين. هذا العام، بيَّنت مواقف السياسيين والنقابيين ونشطاء المجتمع المدني في تونس أنَّ القضيّة الفلسطينيّة هي قضيّة قومية وإسلاميّة وإنسانيّة تسمو على أي حسابات سياسيّة ضيّقة أو خلافات مرحليّة، وأنها قادرة على أن تجمع الأفرقاء وتوحّد الجبهات في وجه العدو الصهيوني ومحور دول التطبيع والخنوع.
كل من اختار أن يكون سيّداً في أرضه، حراً في امتلاك موقفه، دعم قضايا الحق الإنساني، ونصر أمّ القضايا، جهراً وسراً. أما من خضع للمساومة، وسقط في مستنقع التطبيع، شخصاً كان أو جماعة أو دولة، فقد اختار في النهاية التخندق في محور الخيانة والذل، ورفض أن يكون في صفّ مقاومة الظلم ونصرة الحقّ، ولن يجني من وراء سقوطه إلا الفشل والخسران، ولن يصحّ في نهاية نفق الاغتصاب إلا النصر لأصحاب الحق؛ أصحاب الأرض وأنصار القضية.
إيماناً بعدالة القضية، وثباتاً على المبدأ في دعمها، شدَّد مناهضو التطبيع في تونس هذا العام على خطورة ما يجري في الكواليس من فضائح تطبيع ناعم اتخذ أشكالاً اقتصادية وثقافية، وحتى سياسية، عبر قنوات غير سمية.
يدرك أنصار القضيّة في تونس أنّ "إسرائيل" وعملاءها قد يهدفون من خلال ما يجري على الأرض إلى فرض التطبيع كأمر واقع تحت عناوين السلام وحرية المبادرة وتحرير المبادلات وغزو أسواق جديدة، وأنَ صمت النظام الرسمي على هذه الممارسات وعدم تحركه لوضع النقاط على الحروف، قد يفهم في كونه تعبيراً غير مباشر عن القبول بهذا التوجه ومباركته، رغم ما يصدر عن المؤسَّسات الرسمية من بيانات تنفي إمكانيَّة انخراط تونس في موجة التّطبيع العربيّ.
من هنا، كان تأكيد مناهضي التطبيع في تونس على أنّ المرحلة المقبلة تقتضي فضح المطبعين إعلامياً، والاشتباك معهم من خلال ملاحقتهم قضائياً ومقاطعتهم سياسياً، والتشديد على أنّ أيّ مراجعة لبوصلة اقتصاد البلاد ونظامها السياسي وحماية أمنها القومي تقتضي أن يكون تجريم التطبيع بنداً رئيساً فيه، ما يستدعي تعزيز العلاقات وتشبيكها مع محور الممانعة، وفي مقدمتها الجارة الجزائر الَّتي تتقاسم تونس معها الرؤية نفسها والتوجه الداعم للحق الفلسطيني.
إنّ المعركة من أجل تجريم التطبيع هي معركة إنسانية كونية بالنسبة إلى التونسيين، وهي معركة شرف في وجه عدوٍ لنا معه تاريخ من الدم، بعد أن استباح الأراضي التونسية في مجزرة حمام الشط، في واقعة اختلطت فيها دماء الفلسطينيين والتّونسيين، كما لم يتوانَ عن الدوس على سيادة البلاد من أجل تنفيذ جرائمه، سواء كان ذلك في اغتيال الزعيم المجاهد أبو جهاد أو المهندس الشهيد محمد الزواري.
ستكون المعارك المقبلة لفرض تجريم التطبيع كأمر واقع بنصّ القانون تحت قبة البرلمان، حيث ما زالت المبادرة التشريعية التي تقدّمت بها الكتلة الديمقراطية من أجل سنّ قانون لتجريم التطبيع تقبع في الرفوف، في انتظار أن يعطيها مكتب المجلس الضوء الأخضر للمناقشة والعرض على التصويت.
هذه المعركة ستكون مناسبة لفرز القوى السياسية في الداخل وولاءاتها وارتباطاتها في الخارج، وسيسقط فيها بلا ريب زيف خطاب من يبدون مواقف داعمة للحق في الفلسطيني في العلن، ويدبِرون عنها عند أول امتحان حقيقي.