سوريا نزفت بما يكفي بين عشرية سوداء وكلفة اقتصادية للحرب
بسبب انتشار فيروس كورونا، يشير تقرير لمنظمة "الرؤية" العالمية إلى أن ما يقارب 30% من الأطفال الذين تحدثت إليهم تركوا المدرسة تماماً، وما يقارب 20% اضطروا إلى العمل، بينما اضطر الآخرون إلى رعاية الأسرة أو الأشقاء.
ربما يكون الصراع الذي شهدته سوريا، وما تزال، من الحالات القليلة تاريخياً التي تبرز كيف تتورط عدة دول في صراع لا تعرف نهايته... ماذا يريدون منها؟ لماذا هذا الصراع؟ أسئلة كثيرة طرحها السوريون، وشاركهم فيها الكثير من شعوب العالم الذين تابعوا ما حصل في البلاد خلال السنوات العشر الماضية. الأجوبة كانت متقاربة أحياناً، ومتناقضة أحياناً أخرى، بحسب خلفية المجيب ومنطلقاته.
بعد عشر سنوات من الحرب، يواجه أطفال سوريا تهديدات اجتماعية وصحيّة، بحسب تقرير لمنظمة "الرؤية" العالمية. وقد جاء فيه أن جائحة كورونا جاءت لتزيد الوضع سوءاً.
على الأرض، نجد الخسائر المادية والبشرية بوضوح، ويمكننا حصر جيل كامل من السوريين في دائرة الفقر والعنف ما لم ينتهِ الصراع. وقد أشار التقرير إلى مقتل حوالى 600 ألف شخص، من بينهم 55 ألف طفل، ولفت إلى أن ما يقارب 12 مليون شخص، أي نصف السكان، أجبروا على ترك منازلهم، أو نزحوا داخل بلادهم أو عبر حدودها، وهم يعيشون خوفاً دائماً بفعل العنف الذي يهددهم بالموت أو الاعتداء الجنسي، وخصوصاً النساء والفتيات.
لقد تعرضت 1435 مدرسة ومستشفى للهجوم، ما منع الأطفال من الحصول على أبسط حقوق الرعاية الصحية والتعليم، فالهجمات الاستراتيجية والواسعة النطاق على التعليم أضحت سمة من سمات الصراع السوري، إذ استهدفت بشكل منهجي البنية التحتية التعليمية، على الرغم من أن المدارس ينبغي أن تكون أماكن آمنة وضرورية لتنمية الأطفال.
نتيجة لذلك، بات أكثر من 2.4 مليون طفل خارج المدرسة داخل سوريا، 40% منهم فتيات، وأكثر من 75% من الأطفال الذين تحدثت إليهم المنظمة لم يذهبوا حالياً إلى المدرسة أو أي مؤسسة تعليمية أخرى، وتمت الإشارة إلى نقص المال، باعتباره السبب الرئيسي لإبقاء الأطفال والشباب خارج المدارس، يليه إغلاق المدارس بسبب جائحة كورونا.
وبسبب انتشار فيروس كورونا، أشارت المنظمة إلى أن ما يقارب 30% من الأطفال الذين تحدثت إليهم تركوا المدرسة تماماً، وما يقارب 20% اضطروا إلى العمل، بينما اضطر الآخرون إلى رعاية الأسرة أو الأشقاء.
يسجل اللاجئون في لبنان أقل نسبة حضور في المدارس، فيما يسجل الأطفال والشباب السوريون اللاجئون في الأردن أعلى مستوى من الحضور في المدارس بنسبة 41%، يليهم الأطفال النازحون في شمال غرب سوريا بنسبة 32%. وقد جاء الأطفال اللاجئون في لبنان في المرتبة الأخيرة، مع مستوى حضور منخفض بشكل صادم (16% فقط). وبشكل عام، تراجع الالتحاق بالمدارس الابتدائية والثانوية بنسبة 21 و28 نقطة مئوية على التوالي. بعد عقد من الصراع، حُرم أكثر من نصف الأطفال داخل سوريا من التعليم الأساسي.
وفي شمال غرب سوريا، يموت حوالى 46% من السوريين بسبب ضعف النظام الصحي. وقد عانى الأطفال وأسرهم بشكل ممنهج، وحرموا من المساعدات الإنسانية، ما أدى إلى قطع شريان الحياة عنهم، وهم يفتقدون أبسط المساعدات، ويفتقرون إلى الدعم النفسي والاجتماعي والتعليم والغذاء والمأوى والرعاية الصحية والمياه النظيفة والحماية.
وبحسب التقارير، وُلِد 4.8 مليون طفل سوري قبل 10 سنوات، ولكنهم لم يعرفوا في حياتهم سوى الحرب. كما أدى النزاع إلى خفض متوسط العمر المتوقع للأطفال السوريين بمقدار 13 عاماً، وفق المنظمة.
لقد كلّفت الحرب السورية 1.2 تريليون دولار أميركي، وهو ما يعادل تقريباً ميزانية الاتحاد الأوروبي على مدى عقد من الزمان. وفي حال توقفت الحرب اليوم، تشير التقارير إلى أن الكلفة الاقتصادية المتراكمة سترتفع لتصل إلى 1.4 تريليون دولار أميركي حتى العام 2035. وبحلول هذا العام، ستؤدي الآثار السلبية للحرب وتداعياتها على صحة الأطفال وتعليمهم إلى رفع الكلفة الإجمالية إلى 1.7 تريليون دولار أميركي.
في عامها العاشر، تشهد سوريا دموية وتوحشاً يصبغ أزمتها. لم يقتصر الأمر على طرف دون آخر، بل شمل الجميع، ومعهم الدول الداعمة لهذا الطرف أو ذلك، وتحول الصراع من صراع سوري داخلي إلى صراع إقليمي، لينتهي الوضع إلى ما هو عليه الآن.
لقد صارت البلاد ساحة مُباحة ومستباحة للصراع الدولي، إضافة إلى الصراعين الداخلي والإقليمي. هكذا، تحول الصراع إلى صراع محلي إقليمي دولي مُرَكَّبْ يشمل الجيوش والمليشيات، ولم تعد المشكلة الآن إنهاء الصراع في سوريا فحسب، ولكن القدرة على حصره أيضاً داخل حدودها الدولية ومنع انتشاره أو امتداد آثاره إلى الأقطار المجاورة.
يبقى أن نشير في الخاتمة إلى أن المساعدات الإنسانية المتراكمة على مدى السنوات العشر الماضية كانت مجرد جزء من كلفة الحرب، وبلغت 19.4 مليار دولار، أي 1.6% فقط من 1.2 تريليون دولار. ومن الواضح أن المساعدات الهادفة إلى إنقاذ حياة السوريين لا يمكن أن تكون وحدها الحل لبلد نزف بما يكفي.