"سنجار".. قضاء بين "مخلب نسر" و"مخلب نمر"
سيطرت قوات البشمركة ووحدات حماية الشعب الكردية (ypg)، بإسناد من القوات الأميركية، على قضاء سنجار الذي كان في أيدي مسلحي التنظيم، وحررتها يوم الجمعة 13 تشرين الثاني/نوفمبر 2015.
هي سنجار (بالكردية: شنگال، Şingal)؛ مركز قضاء ومدينة عراقيّة تقع غرب محافظة نينوى، شمال العراق، على جبل سنجار، وتبعد عن مدينة الموصل 80 كم. تسكنها أغلبية من الأيزيديين وأقلية من التركمان والعرب.
عقب هجوم "داعش" على مدينة الموصل في العاشر من حزيران/يونيو 2014، بدأ مسلّحوه في 3 آب/أغسطس 2014 بالهجوم على سنجار لتوسيع نفوذهم. وبعد دخولهم المدينة، بدأوا بارتكاب المجازر ضد الأيزيديين وباقي السكان، وقاموا بعمليات النهب والسرقة، واختطفوا النساء، وأخذوهم سبايا لتوزيعهم على بعضهم البعض، في ما اعتبرته وسائل الإعلام إحدى أبشع الصّور في التاريخ العراقي. وقد قتل مسلّحوه حوالى 2,000 أيزيدي، وأخذوا الأيزيديات سبايا، ما أدى إلى نزوح جماعي. ووفقاً لتقرير الأمم المتحدة، قتل 5,000 مدني أيزيدي خلال الهجوم.
نعم، دانت الأمم المتّحدة الجرائم المرتكبة، واعتبرت أنّ الانتهاكات التي يرتكبها "داعش" في العراق تصل إلى درجة جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية وتشمل الإبادة الجماعيّة. وقد نزح السكّان إلى جبل سنجار خوفاً من المجازر والتعذيب والقتل، بعد هجوم التّحالف الدوليّ وشنّه ضربات جويّة وتقدّم قوات البشمركة الكردية، ما أدى إلى فكّ الحصار عن الجبل وتحرير العوائل المنكوبة قبل حلول العام 2015.
سيطرت قوات البشمركة ووحدات حماية الشعب الكردية (ypg)، بإسناد من القوات الأميركية، على قضاء سنجار الذي كان في أيدي مسلحي التنظيم، وحررتها يوم الجمعة 13 تشرين الثاني/نوفمبر 2015.
وقد شارك في الهجوم الأخير نحو 7500 من مقاتلي البشمركة الكردية، الذين كانوا مدعومين بقوات ميليشيا من طائفة الأيزيديين، كما شارك معهم أيضاً مقاتلو حزب العمال الكردستاني التركي (بي كي كي). وفي العام 2017، استعادت الحكومة العراقية السيطرة على المدينة بعد انسحاب قوات البشمركة الكردية منها خلال عملية فرض القانون التي أعلنتها الحكومة.
مؤخراً، حذّر مسؤول محلّي في قضاء سنجار مما أسماه "سعي تركيا إلى احتلال المزيد من الأراضي العراقية"، وهو المتحدث باسم ما يسمى الإدارة الذاتية الديمقراطية لقضاء شنكال، والقيادي عن المكون الأيزيدي في القضاء، فارس حربو، قائلاً: "تسعى تركيا إلى احتلال المزيد من الأراضي العراقية، ولا يقتصر الأمر على قضاء سنجار"، داعياً الحكومة العراقية إلى "وضع حد للتدخلات التركية في العراق"، معتبراً أن "الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية في البلاد تمر بمرحلة حرجة للغاية، وأن الوضع يزداد سوءاً، في حين تستغل القوى الإقليمية هذه الأوضاع لتنفيذ أجنداتها في العراق". وختم حديثه قائلاً: "على الحكومة العراقية وضع حد للتدخلات التركية. هذه التدخلات لا تستهدف سنجار فقط، بل تعد أبعد من ذلك".
على الأرض، كثّفت تركيا عملياتها العسكرية في شمال العراق منذ منتصف حزيران/يونيو الماضي، وأطلقت عليها "مخلب النسر" و"مخلب النمر"، لمطاردة حزب العمال الكردستاني (بي كا كا) الذي تصنّفه أنقرة تنظيماً إرهابياً، وأنشأت عشرات النقاط العسكرية في مناطق عملياتها شمال العراق، رغم أن بغداد اعترضت على العملية العسكريّة، وطالبت بسحب قواتها من الأراضي العراقيّة.
مؤخراً، صرح وزير الدفاع التركي خلوصي أقار: "لقد حطّمتم رؤوس الإرهابيين... والوطن ممتنّ لكم"، وذلك في إطار عملية جوية وبرية واسعة شنّتها تركيا ضد من تنعتهم بـــ"المتمرّدين" الكرد، إذ باشرت وزارة دفاعها عملية عسكرية في شمال العراق، ونشرت فيها قوات خاصّة، فحضر مشهد الطائرات الحربية التركية المغيرة التي كانت قد أقلعت من عدة قواعد فيها، وخصوصاً مدينتي ديار بكر وملاطية، وضربت معسكرات تابعة لحزب "العمّال الكردستاني" في سنجار وقرجيك وقنديل والزاب وأفشين باسيان وهاكورك، وبعضها في منطقة قنديل قرب الحدود الإيرانية، واتجهت إلى سنجار – مخمور - الكوير - أربيل، وصولاً إلى قضاء الشرقاط بعمق 193كم من الحدود التركية، واستهدفت مخيماً للاجئين.
أطلقت تركيا على العملية اسم "مخلب النّمر"، من دون أن تحدّد مدّة الانتشار وعدد جنود قواتها الذين وصلوا إلى "هفتانين" في الشمال، حيث يتواجد الكرد. هنا، استدعت بغداد الغاضبة السفير التركي فاتح يلدز، وسلّمته "مذكرة احتجاج شديدة اللّهجة" على الضّربات التي شنّتها القوات الجوية التركية على مواقع حزب العمال الكردستاني على الأراضي العراقية.
أما وزارة الخارجية العراقية، فقد ندّدت بهذا "التصرّف الاستفزازي الّذي لا ينسجم مع التزامات حسن الجوار وفق الاتفاقيات الدولية"، والذي يُعدّ انتهاكاً صارخاً للسيادة العراقية، وأشارت إلى "أنّ الغارات الـ81 "روَّعت" السكان فقط، ولم "تسفر عن ضحايا"، في حين أنّ وكالة أنباء الأناضول تحدثت عن "ضرب القوات التركية أكثر من 500 هدف لحزب العمال الكردستاني بطائرات "إف -16" ومدافع "الهاوتزر" وصواريخ متعدّدة!
من "مخلب النسر" إلى "مخلب النمر"، آن للعديد من المخالب أن تُقلّم، وإلا سنشهد تمادياً بذريعة تهديدات أخرى، وادعاءات بأنّ تركيا "ستتصدّى لحزب العمال الكردستاني في شمال العراق إذا كانت بغداد غير قادرة على القيام بذلك"، عبر مخالبها وعمليّاتها الاستعراضيّة التي أضحت استغلالاً لموازين مختلّة وجرائم حرب تُزهق خلالها أرواح بريئة، وإن توارت خلف "محاربة الإرهاب".
يبقى أن نقول: متى تعافى العراق وذهب بكلّ محتلّ غازٍ، إقليماً كان أو دولياً، فلن يجرؤ أحد يومها على استباحة شبر منه تحت أيّ ذريعة. يومها، ويومها فقط، يمكن أن تُصان حدود العراق والعراقيين، وأن يأمنوا غدر الجيران والأغيار! وحتى ذلك الوقت، تبقى "سنجار" قضاءً، ومعها العديد من الأقضية والمدن والمحافظات العراقية، بين "مخالب النسور" و"مخالب النمور".