لماذا التصعيد الغربي ضد روسيا على خلفية طردها الدبلوماسيين الغربيين؟
يدرك الغرب أنَّ عهد الأحادية القطبية التي اتّسم بها النسق الدولي منذ نهاية الحرب الباردة في طريقه إلى الأفول، نتيجة بروز قوى صاعدةٍ مثل الصّين وروسيا.
-
يظهر حجم المؤامرة التي يدبّرها الغرب بزعامة الولايات المتحدة الأميركية لروسيا، عبر إشعال فتيل ثورة في داخلها
إعلان وزارة الخارجية الروسية طرد دبلوماسيين من بولندا وألمانيا والسويد على خلفية مشاركتهم في تظاهراتٍ مؤيدةٍ للمعارض الروسي الموالي للغرب ألكسي نافالني في العاصمة موسكو، أثار حفيظة الدول الغربية التي نددت بالحادث، واعتبرت الإجراء غير مُبَرَّرٍ، ما حدا بها إلى طرد الدبلوماسيين الروس العاملين في أراضيها في إطار مبدأ "المعاملة بالمثل".
تدعي الدولُ الثلاث أنَّ دبلوماسييها تصرفوا طِبْقاً لطبيعة المهام الموكلة إليهم، في احترامٍ تامٍ لأحكام معاهدة فيينا للعلاقات الدبلوماسية والقنصلية، فهل من مهام الدبلوماسيين الحضور في التظاهرات والمشاركة فيها؟
كما هو معلوم، سنّت معاهدة فيينا للعلاقات الدبلوماسية الإطار الذي ينظم العلاقات بين الدول، وهي بقدر ما تمنح حقوقاً ومزايا للبعثات الدبلوماسية، تفرض في الوقت نفسه التزامات يتعين على الدبلوماسيين الالتزام بها وعدم مخالفتها.
وفي هذا الصدد، ألزمت المادة 41 من اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية للعام 1961 البعثات الدبلوماسية بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول المعتمدة لديها أو استعمال مبنى البعثة في أعمال تتنافى وطبيعة مهامهم.
من هنا، يتبين أن تصرفات الدبلوماسيين الغربيين في الدول المذكورة حادت عن المهام المنوطة بهم، ما يعد خرقاً للاتفاقية، ويجعل روسيا - التي تصرفت بشكل يتوافق وأحكام القانون الدولي العام - محقةً في اللجوء إلى طردهم بعد مشاركتهم في التظاهرة، لمخالفتهم نصوص الاتفاقية، ما يطرح علامة استفهام حول خلفيات تواجدهم فيها، ولا سيما أنها لم تشهد مشاركة الدبلوماسيين الأميركيين، رغم أنهم معنيون أكثر بما يقع في روسيا.
ويبدو أنّ الولايات المتحدة الأميركية تدرك أن مشاركة دبلوماسييها في التظاهرة كانت ستلفت الانتباه وتثير حساسية السلطات الروسية التي تتوجّس من أيّ سلوك أميركي في أراضيها، فمخلفات الحرب الباردة ما زالت حاضرة في أذهان الطرفين.
وربما على هذا الأساس، أوعزت إدارة بايدن إلى الدول الثلاث بالقيام بما قامت به، عبر منحها الضوء الأخضر الذي تلقته من أميركا، ما يشير إلى أنَّ الأمور جرى التخطيط لها مسبقاً، وبتنسيق بين الأطراف، رغم إدراكهم رَدَّ الفعل الروسي المتوقع.
وعليه، إنَّ تواجد الدبلوماسيين الغربيين أمام مقر المحكمة، حيث كان ألكسي نافالني يخضع للمحاكمة، لا يعني شيئاً واحداً سوى محاولة الضغط على قضاة المحكمة والتأثير فيهم لإصدار أحكام قد لا تتفق مع نظرتهم إلى القضية المعروضة أمامهم.
وفضلاً عن ذلك، إن تصريح وزير خارجية الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، خلال النَّدوة الصّحافية التي عقدها مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، وقوله إن الاتحاد الأوروبي سيواصل دعم منظمات المجتمع المدني الروسية، يعكس بجلاء النيات الغربية تجاه روسيا.
وتبعاً لذلك، يظهر حجم المؤامرة التي يدبّرها الغرب بزعامة الولايات المتحدة الأميركية لروسيا، عبر إشعال فتيل ثورة في داخلها على شاكلة الثورات التي اندلعت في دول الجوار الروسي، وذلك بدعم بعض المنظّمات المشبوهة مادياً وإعلامياً، والترويج لها تحت شعارات جوفاء، ظاهرها إرساء قواعد الحريات وحقوق الإنسان، وباطنها إشاعة الفوضى وزعزعة الاستقرار.
يدرك الغرب أنَّ عهد الأحادية القطبية التي اتّسم بها النسق الدولي منذ نهاية الحرب الباردة في طريقه إلى الأفول، نتيجة بروز قوى صاعدةٍ مثل الصّين وروسيا، تحاول إعادة توزيع القوة عبر العالم، لأن ميزان القوة الحالي لا يكرس سوى الهيمنةِ الغربيةِ التي لا تعني سوى التسلط ونهب مقدرات الشعوب. لذا، يسعى الغرب بكل ما أوتي من قوة لوقف هذا الصعود بأي ثمن.
استخلاصاً لما سبق، إنَّ مشاركة دبلوماسيين غربيين في تظاهرات غير مرخّصة مع دعم الحركات المشبوهة هي تصرف يعكس مدى الصلف الغربي، واستهتار صارخ بأبسط قواعد القانون الدولي العام وأحكامه.